الإنسان كائن غير متناهي الرغبات بطبعه، وبالأصل هو كائن لاأخلاقي، ولا يمكننا تجاهل أو إنكار أن الديانات جاءت لكبح همجيته وأنسنته، كان هذا في مرحلتها النقية قبل أن تمتد لها يده وتعبث بها رغباته وميوله وشراسته، بحيث بررت كل ما هو لاإنساني، وأسبغت عليه سمات وصفات وقوانين تتناسب مع بشريتهم اللاأخلاقية باستشراس قوي حتى بات الضمير الإنساني الفعلي قيمي وليس دينيا.
أصعب ما يمكنك التعامل معه اليوم هو إنسان يظن نفسه أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وهي حالات خطرة على أي مجتمع، وتلك هي أكبر سلبية لعالم الغيبيات الذي يصنع من أتباعه ماكينات تُردد فقط ما يُملى عليها مسبقاً. بعد عقود زمنية غابرة من تماثل الإنسان لقوانين الثواب والعقاب يحدث أن أصبحت أكثر المعطيات شراسة اليوم هي وجود إنسان يظن نفسه يمتلك الحقيقة المطلقة ويعممها بالفعل أو بالدم وبكل الطرق أن هذا الأمر الشديد الخطورة على البشرية ينمو كسرطان ملوث يدفعنا إلى التساؤل: كم من التشوهات والمشكلات والكوارث التي حدثت ومازالت تحدث تحت هذا المبدأ.
إن عقوبة الإنسان الكبرى لم تكن يوماً وفقط في طرده من الجنة إلى الأرض. بل في الزج به اليوم في كل هذا المتغير والغربة الإنسانية والتوحش الذهني واليومي، وعلينا ألا نندهش إن قلنا إن العالم يتجه إلى قانون الغابة، فالحياة متغيرة، ولكن الأشنع والأسوأ هو إلى أي تغير يتجه. إن الأخبث تطبيقاً في هذا المتغير المستمر هو تدجين الطبائع البشرية بكل عبقرية ودفعهم إلى الاغتراب المجنون عن ذواتهم وسقوط الإنسان تحت سطوة دوامة شكلت عواطفه وغرائزه بشكل حاد كنصل وبات من الضرورة الملحة لأنسنة إنسان اليوم إيجاد متغير وطفرة جديدة بمثابة المُخلص للخروج بالإنسانية من شهوة السلطة والقتل والسطوة والامتلاك والظلم بعد أن علقوا داخل تلك المنظومة الشرسة.
حين نشاهد الصورة البشرية اليوم على الحياد سنعلم أن كل انتماء تم تقديسه دون أنسنته ليس سوى فكرة مرضية في كل توجه وفي كل نمط حياة في الدين والسياسة والفن والإعلام والتعليم وكل ما يشتغل به البشر. حين تقف على مسافة بعيدة تماماً من كل هذا ستدرك الخلل وتبدأ في فهم أن عليك أن تتوقف، وأنك لا تملك الحقيقة المطلقة ولا الحرية المطلقة.
هناك اليوم ارتداد كبير داخل هذه المنظومة الشرسة تحارب لكي تحصل على مرتبة إنسان ضد سلطة التشدد الديني التي حولت الإنسان إلى قنبلة موقوتة والرأسمالية التي حولت المستهلك إلى عبد استهلاكي وضد سلطة الجنس التي حولت الإنسان إلى غريزة حيوانية وضد سلطة التدين المتزمت التي حولت آلاف البشر إلى كائنات بعين واحدة. إن من يقف في تلك المسافة سيرى الجموع داخل إطار لا معنى له عندما تستطيع أن ترى الصورة تفهم مدى حاجة الإنسان إلى أن يكون عوناً للإنسانية.