يتعرض كتاب (نصف صحفي) للزميل فيصل الفريان إلى سؤال عريض: كيف يمكن للصحافة والعمل الصحفي أن يكونا بوابة للارتزاق، والاستثمار الذاتي غير الأخلاقي لبعض الصحفيين؟ ويشير إلى أننا في الواقع أصبحنا في حالة صحفية فريدة، لا تعترف كثيرا بالقدرات المهنية، قدر اعترافها وتقديرها لقدرات أخرى خاصة بالتزلّف، والتملّق، والانكسار للوصول إلى غايات، ومواقع صحفية متقدمة، وبعضهم، وربما أكثرهم، نجح في ذلك، وهو الأمر الذي يفسر بطء التطور الصحفي في المضمون، رغم تطور الشكل.

ولعل من المؤسف أن تتحوّل الصحافة وممارستها، إلى هذا المستوى المتواضع، بل المتدني من السلوك، الذي يسمح لقلّة أن تشاغب وتؤثر سلبا على أخلاقيات المهنة، وآدابها ورسالتها.

ويخلص الكاتب إلى أن الصحافة لم تكن يوما وسيلة للابتزاز، والمساومات، والخدمات عبر الالتفاف، والتحايل على أنظمة وآداب المؤسسات الصحفية.

ويرى أن شخصية الصحفي الوصولي مراوغة، ولا تتمتع بالذكاء الكافي لكي يجعلها متجانسة مع الوسط الصحفي، ومتصالحة مع شروط ومقتضيات العمل الصحفي، وإنما تعمل بمبدأ "اقتل واهرب"، أي تقتنص مصلحتها ومنفعتها، وتبقى بعيدا، أو تتلاشى مع مرور الأيام.

تلك هي شخصية "سطوحي الوصولي" التي تصحب القارئ خلال وقائع الكتاب، وهي نموذج للصحفي الوصولي، والمرتزق، الذي لم يؤت موهبة صحفية تؤهله للعمل، وإنما لديه مواهب موازية للوصول إلى أهداف وغايات وطموحات غير مشروعة.


عن الصحافة السعودية


فيما يلي من تقديم وتأسيس لوقائع تاريخية نستبعد "سطوحي الوصولي" من الحضور، لأنه بالضرورة يقفز على الأسس المعرفية للعملية الصحفية التي لم تكن تهمه في الأساس، ونستعرض بدايات العملية الصحفية في المملكة بمعزل عنه وعن تطفله.

عرفت المملكة العمل الصحفي خلال العهدين: العثماني والهاشمي، واستقى رواد الصحافة بها تجربتهم خلال هذين العهدين، رغم أن احتكاك الجيل الذي شارك في مسيرة الصحافة والثقافة بالسعودية كان عفويا، ولم يصل إلى مرحلة المشاركة في المسؤولية التحريرية، باستثناء الشيخ محمد صالح نصيف، والشيخ محمد الطيب الساسي، اللذين توليا تباعا رئاسة تحرير صحيفة "بريد الحجاز" التي صدرت في جدة عام 1925.

وكان هناك جيل من المثقفين قبل تأسيس المملكة دخلوا غمار العمل الصحفي، وأسسوا مطبوعات وصحفا رسمت ملامح بداية الصحافة السعودية وانطلاقها، حيث صدرت في الحجاز بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908، جريدة "حجاز" التي ظهر العدد الأول منها في 3/ 11/ 1908، غير أنها لم تستمر أكثر من سبعة أعوام، توقفت بعدها عن الصدور، ولكن مطبعة الولاية التي أنشأها العثمانيون طبعت بعدها جريدة "شمس الحقيقة" الأسبوعية التي صدرت بمكة المكرمة في 16/ 2/ 1909، كما طبعت فيها نسختها التركية المسماة "شمس حقيقت".

وواصلت الصحافة في بلاد الحجاز مسيرتها، حيث أصدر بعض أهالي جدة من العرب صحيفة "الإصلاح الحجازي" التي صدرت في جدة في 17/ 5/ 1909، وكان صاحب امتياز الجريدة، ومدير تحريرها، هو السوري الأصل، راغب مصطفى توكل، ولم يتوقف إصدار الصحف على جدة ومكة فقط، وإنما بادرت المدينة المنورة بدورها، إلى الدخول في إصدار الصحف، حيث صدرت جريدة "الرقيب" في يناير 1909، وجريدة "المدينة المنورة" التي صدر عددها الأول في 16/ 11/ 1909.

وخلال الحرب العالمية الأولى بدأت الثورة العربية وانتهت بترسيخ العهد الهاشمي، حيث أصدر الشريف حسين في مكة المكرمة في 15/ 8/ 1916 جريدة "القبلة" التي كانت تصدر مرتين في الأسبوع، ويبدو أن الشريف حسين أصدرها لتكون حال الثورة، غير أنها احتجبت عن الصدور في 25/ 9/ 1924.

وعادت المدينة المنورة للمشاركة مرة أخرى في المسيرة الصحفية، حيث صدرت فيها جريدة "الحجاز" في 7/ 10/ 1916 سياسية اقتصادية أدبية، ولكنها توقفت عن الصدور في أواخر 1918، وبعد عامين من ذلك صدرت في مكة المكرمة جريدة "الفلاح" التي ظهرت في 8/ 9/ 1920.

وأدى النشاط السياسي في الحجاز إلى ظهور الحاجة لصحافة تعبوية تخدم الأهداف الحزبية والتعبوية، فأصدر الحزب الوطني الحجازي الذي ظهر في جدة جريدة "بريد الحجاز" في 26/ 11/ 1924 لتكون لسان حاله.

ومع انضواء كامل البلاد تحت لواء الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مثّل دخوله مكة المكرمة بداية انطلاق الإعلام السعودي، وتفسر مبادرته لإصدار صحيفة "أم القرى" التي صدر عددها الأول في مكة المكرمة في الجمعة 12 ديسمبر 1924، في فترة تقل عن شهرين من دخوله مكة، وتسارع ظهور دوريات متنوعة في أوائل عهده، وذلك لإدراكه قيمة الصحافة في نشر الوعي، وإتاحة فرصة التعبير لجميع المواطنين.

وتشير بعض الدراسات التاريخية للصحافة في المملكة العربية السعودية إلى أن النشاط الصحفي السعودي ينقسم إلى ثلاث مراحل، هي:

1 - مرحلة صحافة الأفراد، وهي مرحلة تمتد من 1928 إلى 1959، وفيها صدرت مجلة "الإصلاح" في أغسطس 1928 في مكة المكرمة، لتكون ثاني إصدار صحفي في المملكة في ظل العهد السعودي، كما صدرت جريدة الحرم في ديسمبر 1930، ثم جريدة "صوت الحجاز" في أبريل 1932، ومجلة "المنهل" في فبراير 1937، وجريدة المدينة المنورة في أبريل 1937، ومجلة "النداء الإسلامي" في يونيو 1937، ثم مجلة "الحج" في مايو 1947، وجريدة "اليمامة" في أغسطس 1953، ومجلة الرياض في أبريل 1954، وجريدة "أخبار الظهران" في يناير 1954، وجريدة "الفجر الجديد" في أبريل 1954، ومجلة الإذاعة في ديسمبر 1954، ومجلة "صرخة العرب" في القاهرة في يناير 1955، وجريدة "عرفات" في ديسمبر 1957، وجريدة "الندوة" في فبراير 1958، وغيرها من مطبوعات أخرى توقفت فيما بعد(1).

2 - مرحلة دمج بعض الصحف ببعض، وهي مرحلة تمتد من 1959 إلى 1964، وفيها رأت الحكومة أن العدد الموجود من الصحف والمجلات كبير، حيث وصل عدد المطبوعات الصحفية إلى ما يقارب 40، ما بين صحيفة ومجلة، لذلك برز الاتجاه إلى دمج بعض الصحف، وظهرت بذلك جريدة "البلاد" في يناير 1959 بعد دمج "صوت الحجاز" و"عرفات"، كما ظهرت جريدة "الندوة"، وفيها تم دمج جريدتي "حراء" و"الندوة" في يناير 1959، ثم ظهرت جريدة "عكاظ" في مايو 1960، كما ظهرت جريدة "الأسبوع التجاري"، وعدد من المجلات منها: "الرائد" و"الروضة" و"قريش" و"الجزيرة" و"راية الإسلام" و"الرياضة".

3 - مرحلة المؤسسات الصحفية الخاصة، وهي مرحلة تعبر عن تطور في أداء المنظومة الإعلامية بالدولة السعودية الحديثة، حيث رأت الحكومة في عام 1964، أن هناك حاجة لتنظيم النشاط الصحفي في البلاد، فصدر في نوفمبر 1963 قرار من مجلس الوزراء ينص على أن تتولى إصدار الصحف مؤسسات أهلية بدل الأفراد، وفي 13 يناير 1964 صدر مرسوم ملكي بالموافقة على نظام المؤسسات الصحفية الأهلية الذي نشأت في ظله ثماني مؤسسات صحفية تصدر عنها صحيفة يومية أو مجلات أو كلا الاثنتين.

وتعتبر مرحلة المؤسسات الصحفية هي البداية والانطلاقة الحقيقية للصحافة السعودية، والمؤسسات الصحفية التي نتجت عن تلك المرحلة، وضعت الأساس الصحفي السعودي، ولا تزال تحتفظ بصحفها التي تصدرها.





ماهية الصحفي المتعاون


تركز الصحافة السعودية بشكل قوي ومنهجي على الصحفيين المتعاونين في ممارستها المهنية، ورغم أنهم يقومون بدور كبير ونشط، إلا أنهم في الواقع لا يحصلون على الكثير مما يطمحون إليه من خلال أعمالهم، وهو ما يؤدي بدوره تلقائيا إلى إضعاف ولائهم وانتمائهم للمؤسسات التي يخدمونها، مما يجعلهم يتحركون، يمينا وشمالا، وفقا لأي عروض تقدم لهم، لاغتنام أي مصالح، أو مكاسب تترتب على عملهم، وذلك بالتالي يعني عدم قدرة تلك المؤسسات السيطرة عليهم.

واقع تعاون الصحفيين مع الصحف له إيجابياته وسلبياته، وهو وإن كان إيجابيا للطرفين، بحيث لا يلزم المؤسسات الصحفية بأية التزامات مالية، هي عبارة عن حقوق ومستحقات خدمة، باستثناء المكافآت وعوائد القطعة، وفي نفس الوقت يجعل المتعاونين في حل من أية التزامات تجاه الصحف.

إلا أن السلبيات من الخطورة بما يجعلها تفرّخ نموذج "سطوحي الوصولي" الذي يتحرر بهذا الوضع من أية قيود، ويمكنه أن يمارس نشاطه الوصولي بعد بناء اسمه كصحفي في صحيفة مرموقة وذائعة الصيت في المجتمع.

الصحفي المتعاون قد يكون موهوبا، ويمتلك حسا صحفيا، وقدرة على الكتابة، أو ذا ارتباط بمؤسسات تناسب ميوله واتجاهاته الفكرية والذاتية، سواء كانت رياضية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية وغيره.

وكلما كان متخصصا أسهم ذلك في بروزه أكثر، وتطوير قدراته، وفتح علاقات واسعة مع المعنيين بالنشاط الذي يقدم أخباره وحواراته وتغطياته، وتلك بيئة تحتمل بروز نموذج "سطوحي" الذي بإمكانه أيضا أن يكون متفرغا، وكامل الانتماء للمؤسسة الصحفية التي يعمل بها، ويحقق من خلالها طموحاته وأهدافه غير المشروعة.

وبصورة عامة، أصبح الصحفي المتعاون أساسا في العمل الصحفي، رغم أنه لا يزال بعيدا عن تحقيق عضويته الكاملة في المؤسسات الصحفية، وهي القضية التي لا تزال تتفاعل صحفيا، عبر كثير من المنابر والمواقع والمناسبات.

ذلك ما جعل كثيرا من الصحفيين المتعاونين يعربون عن تظلمهم من الأوضاع غير المنصفة التي يعيشونها، ويعملون من خلالها، وقد رفعوا في نهاية عام 2012 خطاب تظلم إلى وزارة الإعلام، وقعه عشرات الصحفيين والصحفيات.


المرتزقة وآفة الصحافة


يقول "سطوحي الوصولي"... أنا صحفي ممارس للمهنة كمتعاون، لأني أعمل في مهنة أخرى أكثر أمانا وضمانا للمستقبل، أعترف بأني تعاملت مع الممارسة الصحفية بنوع من المكر الذي يجعلني أستغل كل فرصة وسانحة للترويج لشخصي، أو الحصول على مكاسب جانبية أكبر مما لو كنت متفرغا، أو يمكنني الحصول عليها من خلال وظيفتي.

دعوني أوضح أمرا في غاية الأهمية، جميعنا يعلم علم اليقين أن مستوى الأمان في العمل الصحفي في حدوده الدنيا، فأنا مثل كثيرين غيري من المتعاونين، نعلم أنه يمكن الاستغناء عن أي أحد منا في أي لحظة.

وبالتالي فإذا لم أحصل على أكبر قدر من المكاسب قبل أن تحين تلك اللحظة فإني أخسر بصورة مضاعفة، ولذلك أجد المبرر الكافي لممارسة نوع من الانتهازية والوصولية لاستغلال الفترة التي أعمل فيها، للحفاظ على أية مكاسب ربما أخسرها بمغادرة موقعي، وقبل الالتحاق بأية مؤسسة بديلة.

قد يكون تصرفي أو طريقة تفكيري مفتقدة للقيم والأخلاق، ولكني واقعي بصورة عميقة، فأنا لست على استعداد لخسارة كل شيء بينما يمكنني كسب الكثير.

أجدني من طرف خفي، وفي أقصى أعماق عقلي، متفقا مع ما ذهب إليه رئيس تحرير صحيفة "الشرق" السابق جاسر الجاسر، خلال لقائه في برنامج "الثامنة" على قناة mbc، والذي قال فيه: إن متعاوني الصحف هم "مرتزقة الصحافة"، وإنهم "آفة الصحافة".


الصحفيون الوصوليون


يعتقد كثيرون أن "سطوحي الوصولي" غير حقيقي، ولكني أؤكد أنني موجود في الوسط الصحفي، ولست شبحا، وربما يقال إني زائف أو متعجرف أو وصولي، ولكني لا أبالي طالما أحتفظ بعلاقات أراها جيدة مع زملائي، ولا أؤثر بأدائي الجانبي سلبيا عليهم.

لست متطرفا أو مغاليا في رؤيتي للأمور، وفي الحقيقة ليست هناك سلبية في التفكير بالوسائل والطرق التي تصل بي إلى تحقيق أهدافي... نعم، وصلت إلى الكثيرين من خلال ممارستي الصحفية، وتعمدت توظيف عملي من أجل ذلك، ولكن هل تسبب ذلك في أضرار للآخرين؟

لا أتصور، لأني عملت من أجل نفسي، كما يفعل الكثيرون، دون أن يترتب على ذلك إضرار بغيرهم، ولست هنا في مقام الاعتراف بذنوب أو جرائم، وإنما فض الاشتباك في الصور الذهنية عما يتصوره البعض عن وصولي إلى أهدافي بالطريقة التي أعرفها وأجيدها.

وبصورة عامة لا فرق بين الصحفي الوصولي والوصول الصحفي، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، ولا أرغب في أن أبدو بريئا تماما بدفع وصف أو تهمة الوصولية عني، ولكني ظللت أخطط للوصول إلى ما أرغب فيه منذ بداياتي الصحفية.


من هو الصحفي الوصولي؟


لست بصدد تقديم تعريف أو استعراض قدرات وصولية، بقدر ما هو توضيح وإبعاد للوصولية عن الفكرة السلبية الكامنة في عقول الكثيرين، وأعتقد أن الوصولية يمكن أن تحتمل التأويل، وحمل الوجهين: السلبي والإيجابي تحت تصرفات معينة، وسلوكيات محددة في الطريق للوصول إلى الهدف.

صحفيو العالم منتفعون بصورة متناهية، ولا يمكنهم ترك فرصة تعود عليهم بمكسب، يتفاوت ذلك المكسب من صحفي إلى آخر، ولكن في النهاية يتعاملون مع المكاسب بتطلع ونهم، أنا أحب أن أكسب، ولذلك يمكن أن أكون وصوليا بامتياز.

وصوليتي منحتني ما أحتاجه، ووضعتني في الطريق الصحيح الذي اخترت العمل من خلاله... كسبت كثيرا، ووصلت إلى أبواب لم تكن متاحة لو أنني تواضعت في فكري الصحفي، ولم أستثمر ذلك العمل في مكاسب جانبية ذات عائد أكبر بكثير من عملي كصحفي.

الصحفي يكون فقيرا، وقليل الحيلة إذا اعتمد على مثل وقيم وأعراف وآداب لا يتوقف عندها غيره، لا أشجع بالتأكيد أن يتحلل الصحفيون من القيم، فأنا حافظت عليها نسبيا، ولكن وازنت بينها وبين الواقع، حتى أحتفظ بشخصيتي قدر المستطاع.


مهارات الوصولي


حين وضعت اسمي "سطوحي الوصولي" في المسار الصحفي، كنت على يقين بأنه سيحقق ما يريده، ولكن يبدو أن ذلك يحتاج ويتطلب بعض المهارات السلوكية التي ينبغي، أو يفترض أن تساعدني في الوصول إلى طموحاتي وتحقيق أهدافي، ليس بالضرورة من خلال أقل جهد، وإنما من أقصر الطرق.

لم أحتج لأن أزيف شيئا في نفسي، بقدر ما استعنت ببعض التصرفات التي تخدمني، فعملية الوصول إلى هدف من خلال العمل الصحفي يمكن أن تتم بالطريقة الصعبة، ووقت طويل، أو بالطريقة السهلة في أسرع وقت... وقد تبدو فترة خمس أو عشر سنوات في العمل الصحفي قليلة لاكتساب خبرات، ونسج شبكة علاقات واسعة، ولكنها بالنسبة لي فترة طويلة.

أفضل وسيلة لاختصار الزمن والجهد هي تطور سلوكي مدروس... فأنا خططت لأن أكون وصوليا على طريقتي، بعيدا بالتأكيد عما أشرت إليه سابقا من إساءة فهم الوصولية، فهي وصولية غير ضارة للآخرين، ولذلك فكرت أولا في تقديم العمل، أو حزمة الأعمال التي تدعم بناء اسمي، وهي مرحلة تجاوزتها سريعا.

المرحلة التالية في قراءة الناس من حولي، الزملاء والقيادات والوسط الخارجي الذي أتعامل معه، ويمكنني أن أخدمه بقاعدة تبادل المنافع، انفتحت في البداية على الزملاء، ودرستهم جيدا، ثم بدأت في مرحلة تالية انتقاء من يمكن الاستفادة منهم، والاعتماد عليهم.

هناك زملاء يمكن أن يكونوا مستمرين في التعاون، دون أن يبادروا إلى ردة فعل سلبية خلال مسيرة العمل، وهم سلبيون بطبيعتهم، يكتفون بما لديهم من إمكانات وقدرات، ويعملون بجهد محدود وبصمت، وهؤلاء غير مهمين كثيرا للوصولي.

وهناك زملاء طموحون، يعملون بجد واجتهاد، وهؤلاء أول من ينفر منهم الوصولي، لأنهم يزاحمونه، وقد يحسدونه، مما يجعلهم مصدر خطر حقيقي عليه، وبالتالي من الضروري الابتعاد عنهم.

الاعتذار لكل صحفي يمتلك روحا ويتحلى بالآداب

بكل تأكيد، نموذج "سطوحي الوصولي" ليس مثاليا على الإطلاق، وهو شخصية، وإن كانت وهمية، غير أن ذلك لا ينفي كلّية واقعيتها، ولكنها تظل مرفوضة وغير مقبولة، ولا تمثل الوسط الصحفي أيا كانت المبررات.

إنه شخصية متحولة ومتلونة، وغير جديرة بممارسة العمل الصحفي، فالصحفي يمتلك روحا رسالية، وآدابا مهنية وأخلاقية تعصمه من السير في طريق "سطوحي الوصولي" الذي يعتبر وصوليا تجاوز جميع الخطوط الحمراء.

بالطبع، اعترافاته لا توفر له مبررا أو مسوغا للسماح عنه، إنه يحاول بذلك أن يعمل على تسويات ذاتية تتعلق بنفسيته المريضة، لأنه لا يمكن أن يوجد صحفي على قياس هذه الشخصية إلا إذا كان مختلا.

وكأي وسط فئوي هناك أصناف متباينون، ولكن ليس إلى الحد الذي يصله هذا النموذج الذي يعتبر فريدا، وربما لن يتكرر، وقد يكون عبر بجانب أي صحفي منا، أو تعامل معه، ولكن، لأن الكثيرين على نياتهم، وبريئون، فإنهم لن يتوقفوا عنده.

الوصولية بحسب اعترافاته قد توجد لها بذرة في أي إنسان، وليس الصحفيين وحسب، ولكن دوما هناك ضوابط وقواعد أخلاقية وإنسانية تكبح جماح النفس الأمّارة بالسوء.

وقد أفرط الوصولي في استخدام وتوظيف الصحافة لمصلحته الشخصية، دون اعتبار لقواعد المهنة وأخلاقياتها، ولذلك أؤكد أنه فريد ولن يتكرر، والوصولية الكامنة في نفوس بعض الصحفيين لا تعني بالضرورة أنهم وصوليون، فالنفس تحدث بالكثير ولن تتفاوت الاستجابة له.

الصحافة مهنة ورسالة تؤتمن على الكلمة التي تعتبر سلاحها، ولا يمكن الانحراف بها إلى هذا المستوى النفعي الرخيص، لتحقيق الطموحات الشخصية، وهي مجال عمل كغيرها من المجالات، وإن لم تتوفر للصحفي الإمكانات والموهبة الفطرية، فعليه أن ينصرف عنها لما يجيده ويحسنه.

أعتذر لكل زملائي الصحفيين الذين كان بودّهم تشريح هذا النموذج ولم يفعلوا، وأولئك الذين يعملون بعرقهم وخلقهم النبيل، وإن أبطأ كسبهم، فتلك أرزاق يجريها الله، وهم يعلمون ذلك، ولا يستجيبون لإغراء أو وسوسة شيطان، ليمارسوا وصولية قبيحة تنتهي بهم إلى مكاسب مادية فيما يخسرون أنفسهم.

لا أتوقع أن يندمج الوصولي بصورة سلسة في المجال الذي اختاره، لأنه يظل ضائعا وتائها بسوء اختياره منذ البداية، ولم يدرك أن ما يأتي سريعا يذهب سريعا.


المؤلف في سطور


فيصل فهد الفريان


صحفي سعودي


ماجستير في الإعلام الجديد