لا يمكن أن يكون هذا هو مقياسي الوحيد الذي يجعلني أقيس كثيرا من الأمور على أنها مؤشر لأي استقرار للمجتمعات في العالم، لكني أجد أحيانا جزءا من الفكاهة التي تختصر حياتنا، حينما أفكر بمشروعية مثل هذا التفكير، وإعطاء نفسي مساحة من الهروب خارج طوق الظلمة، والذي يجبرنا البعض على أن نعيش وسط تحريفاته، على خنقنا بحبل من علامات التعجب والزيف، وذلك عبر مختلف قنوات التواصل الاجتماعي، وكأن العالم موغل في الهشاشة والتوحش على نسق واحد.
تخطر في ذهني زميلتي الروائية التي كانت تصر على أنها لا يمكن أن تضيع وقتها في العبث مع بيوض "تويتر"، تلك التي لم تفقس بعد، وربما لن تتجرأ يوما على أن تستنطق الحق، هؤلاء المتخفون دوما تحت أثواب من الخوف والعنف، يراوغون بنوايا تحتمل الغش أكثر من الرغبة في الوضوح، وكسر قانون الصمت، يعبثون في أرواحنا ومشاعرنا، وكأنهم يحشرون أجسادنا كأشباح داخل صندوق سيارة، كي لا نشعر بمذاق الحياة، أو فكرة وجود كثير من الأمل.
تختصر لي الروائية نظرتها تجاه ما تشعر به، وما تحمله من إدراك يسهم في رفع معنوياتها، حينما تقول بشفافية، إن كل من تتابعهم عبر برنامج "الإنستجرام" على سبيل المثال، هم الذين يحولون حياتها إلى لا شيء، لا يعمدون الإساءة إليها ولا يعرفون هويتها، والصلة الوحيدة التي تجمعها بهم، هي فقط المقاطع الفكاهية التي ينشرونها دون ملل، وكأنهم يعرفون جيدا ما تريد، وهذا ما يخفف ألمها تجاه المشاكل التي يتسلى بها الكبار والصغار على حد سواء، ذهابا وإيابا، سعيا إلى تضليل عواطف الآخرين تحت إطار العقل، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما.
وبما أن الجميع ينتظر بفارغ الصبر المباراة النهائية على كأس خادم الحرمين الشريفين بين نادي النصر العالمي والأهلي الملكي، فأنا أجد أن التفاف المواطنين حول المباريات هو أحد الدلائل والمؤشرات على استقرار البلاد، ربما لأني شعرت بالتعب والهم والعزاء، فما إن أولي وجهي بعض الصحف اللبنانية، حتى أجدها تحاول أن تشعرك بأن ثمة خطب "ما" لا بد أن يحدث في الخليج، وتحديدا في السعودية.
تذكرني مثل هذه الصحف بالمرأة التي يخونها زوجها، فتعتقد جازمة أن كل الرجال في العالم الواسع الفضفاض يخونون زوجاتهم، فجأة يصبح صوت بعض الأجهزة الإعلامية اللبنانية زاعقا تجاه المملكة، وتجاه كل ما تقوم به، أتعجب طويلا من عض تلك اليد التي امتدت أعواما مديدة، كي تقيهم من الانهيار الكامل والبائد، تقودني مثل هذه الخطابات والأصوات المرتفعة إلى حد الجنون أحيانا، لذا، أحاول اللحاق ومتابعة كل ما هو جميل في وطني، أعيد النظر بصورة أكثر عمقا مما سبق وكنت عليه، أتطلع نحو الشباب الذين أجدهم الآن أملا في الغد، وليسوا مشكلة ثقيلة يعانيها الوطن، رغم ما تحمله وسائل الإعلام من بعض المشكلات التي ينخرط فيها الشباب، لكننا في حقيقة الأمر لا نعيش في دولة أفلاطونية، ما زلنا نعيش واقعا نحاول تغييره إلى الأفضل، بل ونسعى كي نرى الصورة التي نحتاج إليها لنبتسم في اليوم أكثر من 10 مرات، الصورة التي تعيد لنا تأطير الحياة، والشباب يعيدون كثيرا من الأمل دون خشية أو خوف من الغرق، يندفعون كل على مبتغاه وهواه نحو تحقيق مختلف أحلامهم، أسعد كثيرا بما يظهره البعض من إبداعات عبر قنوات "يوتيوب"، أو حتى الأفكار التي يطرحونها عبر برنامج "سناب شات"، أستمتع بتلك الشهية المفتوحة لديهم للحياة، ويطمئن قلبي أننا نعيش في ذلك الخير الذي يمقته كثيرون خارج حدود الخليج.
لا نحتاج إلى وجود ثورة تخلخل المجتمع الذي نطمع في أن يكون نسيجا واحدا، ولكننا نحتاج أن نتنبه إلى تفعيل دور الشباب، دون أن ننقص من إمكاناتهم، وحركتهم النهضوية التي نأمل في أن تقوم على أكتافهم. وفي انتظار مشاهدة المباراة والتطلع إلى الجماهير، وبهجتهم وصراخهم الممتد، على أن يبتعد المتعصبون عن إراقة مشاعر بعضهم البعض، والتسامي في قبول خسارة فريقهم، وعدم تفجير "تويتر" بتعليقات غاضبة لا طائل منها، لأن فريقهم لم يعد حاملا كأس البطولة معه.
جميلة هي الحياة التي يمكن لنا اختلاقها وحتى إعادة صياغتها كما نريد، الأجمل بالتأكيد أن يكون وطنك بخير، كي تكون أنت وأسرتك وجيرانك وقبيلتك أيضا بخير، ولنستمتع أكثر مما ينبغي بالحرية التي نختارها نحن لأنفسنا، وليرى العالم كيف نحن مولعون بكرة القدم، وغير تقليديين في التعبير عن مشاعرنا التي تصل أحيانا إلى درجة الهوس اللامعقول، ولكنه أكبر تأكيد على أننا نعيش الحياة.