نحن نمر بظروف داخلية وخارجية صعبة، ونمر بأزمات مختلفة سواء سياسية أو اقتصادية أو غيرها. هذه الظروف، إضافة إلى صراع التيارات الفكرية، جعلتنا أكثر حدة وأكثر توترا مع بعضنا بعضا.
نتيجة ذلك، زاد التطرف الفكري، وهذا التطرف ليس محصورا فقط على التطرف الديني، فقد تجد من يجردك من وطنيتك لمجرد أن لك رأيا سياسيا مختلفا عن سياسة الحكومة، فهو يتعامل مع الحكومة وسياستها وكأنها آلة لا يمكن أن تختلف معه في الرأي.
هو لا يعي أن سياسة الحكومات ربما تتغير من وقت إلى آخر، حسب ظروف ومصلحة البلد.
قبل سنتين، كان الحديث عن تركيا ودورها المهم في الشرق الأوسط يعد من نواقص الوطنية، ومن الموبقات، ولكن بعد زيارة الملك سلمان الأخيرة إلى تركيا تغيرت هذه الفكرة، لأن السياسات متغيرة وغير ثابتة، وهذه هي طبيعتها.
وقس على ذلك مَن له رأي مختلف في قضية ما، كثير من الناس يخشون مجرد التصريح بهذا الرأي حتى لا يُخوَّنوا ولا يُشكك في وطنيتهم.
على الرغم من أن المسألة بسيطة، وهي أن الناس يختلفون في آرائهم حتى لو كانت هذه الآراء تختلف عن سياسة حكوماتهم، فهي تظل مجرد آراء، ولكل منا مبرراته التي يراها منطقية. غير المنطقي هو أن يُخوَّن المواطن أو يُشكك في وطنيته لمجرد أن له رأيا مختلفا.
ولذلك، أصبح كثير من الناس وفي أي نقاش يتعامل معك بأسلوب محاكم التفتيش الكنسية في القرون الوسطى، ويضعك أمام مجموعة من الأسئلة ليحدد معيار وطنيتك، وهل أنت مواطن صالح أم غير صالح.
الرأي المختلف للمواطن ظاهرة طبيعية، ولا تنقص من وطنيته شيئا، وهو موجود في كل دول العالم، وموجود عندنا، وفي مجالسنا ونقاشاتنا، ولكن البعض ما زال يعيش في كهفه، ولن يفهم أن الزمن قد تجاوزه وتجاوز أفكاره العتيقة.