حجر الزاوية في حواراتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هو خلافاتنا الحادة التي قد تصل إلى قطيعة لا مبرر لوجودها؛ لأن أسبابها الأولى واهية، أو أنها مُختلقة لحاجات في نفوس "اليعاسيب" الطيارة من مبدأ إلى آخر بحسب الأجواء!

خلافاتنا واختلافاتنا قد تتجاوز القطيعة العفوية، إلى ابتكار أسباب العداوات ابتكارا، وتعزيز ذلك بالتحريض والتشويه والأحكام الجاهزة "عن بُعد"، ثم تذهب إلى الأبعد باختراع التكتلات المجتمعية والفكرية، لنصل إلى أحد أهم اختراعاتنا الحديثة، وهي تلك المصطلحات الخاصة بالتصنيفات التي لم نكتف باختراعها، بل طورنا الاختراع تطويراً إبداعياً يصل إلى حدود النحت اللغوي، والتركيب المزجي، ومن أمثلتها الدارجة: "بنو صحوين، والليبروجامية"، وغيرهما من المصطلحات الشتمية الحانقة.

لا أستطيع – مهما حاولت - أن أتجاهل الأسباب السياسية التحزبية المفضية إلى هذه الصراعات كلّها، ولا أستطيع أن أنحي دور التنظيمات السياسية التي تعتمد على المقدس/ الدين في ترويض الأتباع واصطناعهم واستخدامهم في النيل من الخصوم ولو بشتيمة "تويترية" وقحة يسمونها زورا: "ذب عن الحق"، وبرغم وضوح هذه الأسباب، إلا أنني سأتجاوزها بوصفها الظاهر أو العرض كما يقول الفلاسفة، لأركز على الباطن أو الجوهر كما يقولون، وهو القاعدة المعتمدة في صناعة العداوات.

أزعم أن اختلاف الأَفهام في طريقة إنتاج الدلالة النصية، هو قاعدة صناعة العداوات، وبخاصة عند التعامل مع النص الديني، سواء أكان من القرآن الكريم، أو من الحديث الشريف، أو من أقوال علماء وفقهاء سابقين.

القرآن الكريم نفسه، يمكن أن ينتج معاني كتلك التي نجدها عند نصر أبو زيد، أو محمد متولي الشعراوي مثلا، ويمكن أيضا أن ينتج معاني كتلك التي يعتمد عليها أبو بكر البغدادي، أو الظواهري، وهي معان لا يمكن أن تتقارب، فضلا عن أن تتوافق.

وعليه، فإن صاحب الهدف السياسي - سواء أكان حاكما، أم معارضاً – يستطيع، بالاجتزاء أو التحوير، أن ينتج من النص القرآني المعاني التي تخدم أهدافه، فيكرسها أولا، حتى تغيب معانيها الموازية عن الأذهان، ثم يوظفها كي يرى أثرها في تبعية تابعيه، وتلك انتهازية لا مثيل لها في القبح، لكنني سأتجاوزها.

إن التعامل مع النصوص بهذه الانتهازية السياسية، لم يقف عند القرآن الكريم، بل تجاوزه إلى أقوال العلماء الكبار، ففي حين يستشهد الإرهابيون وبعض الحزبيين والساسة بأقوال ابن تيمية – مثلا - استشهادات قائمة على الاجتزاء من سياق الموضوعات، وعلى تجاهل زمنها، نجد بعض المفكرين المستقلين ودعاة السلام يستشهدون بأقوالٍ أخرى له، وأخصّ أقواله التي تسعى إلى التوفيق بين: العقل، والنقل، فكيف جمع ابن تيمية النقيضين؟ وهل التناقض عنده، أم عند منتجي المعاني من أقواله؟

الإجابة المتوافقة مع المنطق، أن التناقض ليس لديه، ولا في أقواله، وإنما هو في طريقة التأويل التي يعتمد عليها كل فريق لإثبات صحة ما يقوله أمام المتلقين/ الأتباع المستهدفين الذين يكونون – في الغالب – قابلين للتشكيل بحسب أهواء فاعلي التأويل.

الكلام يتسع ويتشعب، والمساحة تضيق ولا تتمدد، ولذا فالموجز الذي أريد أن أصل إليه هو: أن كل من يؤوّل النصوص المقدسة تأويلاً استقوائياً، فينزه بها ذاته وتوجهه وحزبه، ويشوه بها مخالفيه وتوجهاتهم، أو يحرض عليهم، إنما هو يزدري عقولنا وأفهامنا، ولا يرانا سوى قطيع يسوقه أو يقوده، ليخدم بتبعيتنا العمياء له أهدافَه السياسية القريبة أو البعيدة.