رؤية السعودية 2030 لم تغفل جانبا مهما من جوانب تطوير المملكة، وهو جانب العمل التطوعي حيث تطمح السعودية من خلال رؤيتها 2030 إلى تطوير مجال العمل التطوعي، ورفع نسبة عدد المتطوعين من 11 ألفا فقط إلى مليون متطوع قبل نهاية عام 2030.
وهنا أحب أن أذكر لكم قصة مبادرة تطوعية بدأت من 3 أشخاص فقط تقريبا، ذكرها لي المهندس محمد حسن وهو أحد الشباب المؤسسين لها والمتفرغ حاليا لرسالة الدكتوراه في الصين. كل أحداث هذه القصة وقعت في مصر، ومن أجمل المبادرات التطوعية التي اطلعت عليها، بدأت قصة هذه المبادرة خلال محاضرات أطلقها الدكتور شريف عبدالعظيم أستاذ كلية الهندسة بجامعة القاهرة عن أخلاقيات المهنة، وتحدث فيها عن تجارب الدول الغربية في مجال الشعور بالمسؤولية تجاه مهنهم الوظيفية، حيث يقوم أغلب الموظفين بالتطوع، لأن يستفيد الناس من علمهم وخبراتهم، فيقوم طبيب الأسنان كمثال بتخصيص وقت للعمل التطوعي لمساعدة الفقراء على علاج أسنانهم، ويقوم المهندس الكهربائي بتخصص وقت لمعالجة مشكلات الكهرباء في مساكن دور الأيتام والمسنين، ويقوم مهندس الإلكترونيات بإصلاح أجهزة الأطفال وكبار السن، وكل شخص يقوم بالعمل التطوعي الذي يراه مناسبا له تحت مظلة جمعيات تطوعية، فتحمس الطلاب الحاضرون مع الدكتور لهذه المبادرات، وذهب بعض الطلاب والطالبات لزيارة الدكتور بعد المحاضرة في مكتبه، وطلبوا منه أن يتبنى مبادرة يقوم بها هؤلاء الطلاب تعمل في إجازة الصيف باسم أسرة "رسالة"، وقسمت المجموعة نفسها إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى تعمل في الميدان الخارجي ويتركز دورها على زيارة الأيتام والمسنين وزيارة مستشفى علاج السرطان للأطفال وتقديم الهدايا لهم، والمجموعة الثانية للعمل الداخلي والدعاية للجمعية عن طريق إصدار جريدة أو نشر دعوة بين الأصدقاء، والمجموعة الثالثة تقوم بدور التعليم بأجور رمزية.
هذه الجمعية التي بدأت بالعدد الصغير من طلاب كلية الهندسة نالت أعمالها التطوعية استحسان رجال الأعمال، وقام أحد رجال الأعمال بالتبرع بأرض في حي الملك فيصل بالقاهرة لبناء مقر رسمي للجمعية، وتبرع رجال أعمال آخرون بقيمة البناء، ومن هناك تزايد عدد أعضاء الجمعية من المتطوعين حتى وصل إلى 250 ألفا في مختلف مدن مصر، يقومون بكثير من البرامج والأعمال التطوعية لخدمة المجتمع تحت اسم جمعية رسالة.
هذه القصة تجعلني أتفاءل بأن رفع عدد المتطوعين في المملكة العربية السعودية من 11ألف فقط إلى مليون شخص خلال 14 عاما ليس بالأمر المستحيل، ولكن لتحقيق هذا العدد الكبير من المتطوعين يجب علينا أن نتطرق إلى الخطوات الممكنة التي يجب علينا أن ننجزها لتحقيق هذا الهدف، الخطوة الأولى: استحداث مظلة حكومية كهيئة أو جمعية لها عدة فروع في المدن الكبيرة والصغيرة يكون دورها الأساسي هو إنقاذ العمل التطوعي من البيروقراطية التي تفرضها تعقيدات الإدارات الحكومية على مبادرات العمل التطوعي، فللقيام بعمل تطوعي مستغلا مسرحا لجامعة أو ملعبا لناد رياضي أو وزارة أو مقرا حكوميا كمثال فإن هذا يعني أنك ستدخل في صراع طويل للحصول على مجرد تصريح أو إذن وقد لا تحصل عليه بعد كل هذا الصراع إلا إذا كنت محظوظا جدا أو مرسولا من فلان بن فلان، ومن مهام هذه الهيئة أو الجمعية هو احتواء برامج الأعمال التطوعية والتخطيط لها وسن القوانين التي تدعمها، وتوثيق إنجازاتها والإشراف على مشاركاتها وتشجيعها، وهذا لا يعني أن تترك أو تهمل القطاعات الحكومية مثل الجامعات والوزارات والقطاعات الخاصة دورها التطوعي بحكم عدم الاختصاص، بل يجب أن تفعل كل ما بوسعها من مبادرات تطوعية، ويكون دور هذه الهيئة أو الجمعية تنظيميا ومكملا لمبادرات التطوع وتوثيقا للإنجازات التطوعية التي تقوم بها كافة القطاعات الحكومية والخاصة والأفراد.
الخطوة الثانية: هي توعية طلاب المرحلة الابتدائية والمتوسطة بحكم أنهم الشريحة المستهدفة تقريبا لتحقيق رؤية 2030 بأهمية العمل التطوعي في تطوير المجتمع، وتحقيق أهداف رؤية وطننا.
الخطوة الثالثة: هي عدم الاكتفاء بالأعمال التطوعية على الطرق التقليدية كمساعدة الفقراء ورعاية الأيتام وزيارة المسنين، بل يجب علينا استحداث برامج تطوعية مهمة، مجتمعنا في أمس الحاجة إليها، مثل برامج تطوعية لدعم المخترعين، والمتفوقين دراسيا، واستحداث وظائف للعاطلين، ودعم المؤلفين الشباب وطباعة كتبهم، وتعليم الموسيقى، والفن والتصوير، والتدريب على تعلم لغات جديدة، وغيرها من البرامج التطوعية التي يجب أن نستحدثها حسب احتياجات مجتمعنا، بعيدا عن التقليدية التي تقتل روح العمل التطوعي وتفقده معناه الحقيقي.
هذه الخطوات الثلاث لو تم تحقيقها في مجتمعنا فإنها ستسهم، بإذن الله، في خلق فرص تطوعية ضخمة في وطننا الشاسع، ليس بمناطقه المتفرقة فقط، بل بقلوب أهله الكبيرة المحبة للخير والمستعدة دائما للعمل التطوعي ومساعدة الآخرين، ولا مستحيل أن تحقق السعودية مليون متطوع خلال 14 سنة، بل المستحيل ألا يتحقق ذلك.