هلت تلك الليالي الروحانية التي ودعناها منذ أحد عشر شهراً وتاقت النفوس شوقاً لها وكادت ألاّ تدركها وبفضل الله عادت علينا، وإنْ نحن أدركناها هذا العام قد لا ندركها العام المقبل فهي فرصة عظيمة لمحاسبة النفس وإزالة شوائب الذنوب التي علقت بالنفوس، ليالي نسائمها تلامس القلوب بكل ما تحمله من نفحات إيمانية مع ارتفاع أصوات المآذن بالأذان وصلاة التراويح وصلاة القيام ومع تلاوة القران وصلة الأرحام والصدقات فهي أعمال في ذلك الشهر يُضاعف فيها الأجر.
المحزن عندما نجد اكتساحا لتلك الفضائيات التي تخطت في بثها في عصرنا الحالي كل الحواجز والحدود وأصبحت تدخل كل بيت وتقدم للمُشَاهِد على طبق من ذهب كل ما يهواه قلبه واستمتع به وجدانه من برامج متنوعة ولا سيما الدراما، فنرى الفضائيات خاصة في شهر رمضان في ماراثون عجيب في عرضها للدراما المتنوعة وكل قناة تنافس الأخرى، وتشتت المُشَاهِد في أيهما يكون لها السبق في المتابعة، دراما تعرض للأسف أخلاقيات وسلوكيات مدمرة بكل معنى، فلا تخلو مَشَاهِد من تحريك القلوب للحب الخادع ومَشَاهِد العنف والجريمة، وهُناك مَشَاهِد مُحْزِنة تدمر الأخلاقيات في إظهار أماكن اللهو والمنكرات وعرض الخمور، والعياذ بالله، التي أصبحت اليوم تسمى بمسميات أخرى، ناهيك عن السفور المبتذل، ومَشَاهِد تَخْجَلُ العين من النظر إليها، وقد نجد هُناك بعض الدراما تعرض قضايا مهمة إلا أنها تفقد أهمية ما تعرضه بسبب مَشَاهِد تتخللها، فجميعها تسابقت لتسلب روحانية هذا الشهر الكريم. أيضا لا ننسى الجانب الآخر هُناك دراما معبرة وتناقش طابعا إنسانيا، محتفظة بالقيم بعيدة عن اللقطات الشاذة، ولكنها تاهت وسط إغراءات تلك الدراما التي تعد الإثارة والعنف أهم مقوماتها لجذب المُشَاهِد دون تركيز على المحتوى العميق للدراما الهادفة.
نسأل أنفسنا ما الهدف من وراء ذلك ونحن في أيام عظيمة أحوج بأن تخلو النفس لبارئها وتنفض غبار صغائر الذنوب قبل كبائرها؟
قبل عدة سنوات عندما كانت القنوات محلية كانت البرامج لها طابع روحاني يتناسب مع شهر الرحمة في: برامج دينية، دراما اجتماعية هادفة، مسابقات ممتعة ومفيدة، فوازير رمضانية، حتى الكاميرا الخفية كانت هادفة على خلاف ما يُعْرَضُ اليوم من كاميرات خفية التي يُفْتَرض أنّها تُنَاقِش فكرة لا مَشَاهِد أشبه بإرهاب وترويع النفوس من تفجيرات ونيران وحريق وغرق وخلافه من الترويع.
للأسف فَقَد شهر الرحمة روحانياته مع ماراثون الفضائيات الهائج في عرض الدراما التي أَشْغلت الكثير عن اغتنام فُرص هذا الشهر العظيم، والسذج هم من يلهثون وراء بريق تلك الفضائيات الزائف.
علينا ألاّ نشغل أنفسنا بهذه الفضائيات وما تَعْرِضه خاصة في شهر رمضان، وأن نتذكر أنَّ هُناك ليلة في العشر الأواخر تُعَادل من عمر الإنسان 83 عاماً، فمن أدركها أصبح من الفائزين في الدارين، فنحن لا نعلم إذا خرج هذا الشهر وانقضى سنلتقيه مرة أخرى أم ستكون المرة الأخيرة للقائه، ولنفهم أنَّ اليوم هُناك حملة عدائية شرسة علينا نحن المسلمين في إلهائنا عن أمور ديننا وإماتة ضمائرنا وحيائنا وغيرتنا على محارمنا، وعلى أئمة المساجد والمعلمين والمعلمات ورجال الثقافة النقية أن يقوم كل منهم بدوره في تنوير المجتمع مع ما يتناسب مع روحانية الشهر الكريم وتعاليم الدين الحنيف وتوضيح الكم الهائل من تلك السلبيات المعروضة على شاشاتِ التلفاز لعلّ رمضان يعود نقياً كما كان!