فاجأنا الإرهاب حين بدأ يخطف الأرواح، ولو كان الأمر بيدي لأسميته الإجرام العدوان لا الإرهاب، لأن الإرهاب تخويف فقط، أما ما يحدث فيتجاوز التخويف للقتل والدمار، وأقل أثر يحدثه الإرهاب هو التخويف! الأثر الأسوأ اختلاط الحابل بالنابل بالقاتل، فلا ندري من يحرض ولا من ينفذ ولا من يمنهج القتل أو من ينفذه فيما نتقاذف التهم بعضنا تجاه بعض، فقد أخذنا على حين غرة.
اليوم يصعب على الإنسان البسيط معرفة الفرق بين الجهاد الشرعي والانغماس في المنظمات الإرهابية، كون الصورة قاتمة ومشوشة، وكون الشباب المخلصين الذين تحمسوا للدفاع عن قضايا الحق ونصرة المظلومين تحولوا إلى قتلة مجرمين بعد أن تمت السيطرة على أفكارهم وإعادة توجيههم أو لضحايا مفخخين طوعا أو كرها. وحروب توجه للعدوان وتصيب بنيرانها الصديقة المظلومين.
لا نزال نعجز عن التصالح مع أنفسنا ونسيان أمجاد وصراعات التاريخ التي لا علاقة لنا بها، ونحن اليوم أضعف من أن تكون لنا علاقة بتشكيل الحاضر! ليس هذا نفيا لدور إيران أو الخونة أو المجرمين، لكن الحديث عن ضبابية وحيرة يجدها البعيد قبل القريب ودائرة وجع تتسع بالضحايا والثكالى واليتامى ومن فقدوا أجسادهم أو بعضها!
ما يحدث أشبه بكابوس ننتظر أن نفيق منه نحن أبناء الشرق الأوسط، لكننا رغم ذلك نصنع العكس ونزداد انغماسا في وحل الفرقة. العلاقة اليوم بين المسلمين تحكمها الطائفية إلا من رحم ربي، والعلاقة بين العرب صورة للعنصرية تزداد وضوحا على مستوى دول العرب شمالا وجنوبا، والولاء يشكله المال والمصلحة الخاصة كما يشكله الانتماء، باختصار الصورة قاتمة والمنطقة في متاهة دينية وسياسية وتاريخية لا مخرج منها قريب كما يظهر. لم يعد الدواء أو الطعام وحده عزيزا، ففي بعض المناطق المحيطة بحلب أصبح الماء يباع بالمال، فضلا عن لقمة الطعام! درجة من البؤس تعيشها شعوب عربية لم تنعم برفاهية نعم بها غيرهم من أبناء وطنهم الذين تاجروا بمصالحهم وقضاياهم منذ زوال الاستعمار!
الاقتصاد الذي حرك الحروب الصليبية هو ما يحرك الحروب اليوم، ولنسمها الحروب النفطية! والاقتصاد عصب السياسة، فلا سياسة لفقير.
نعم هناك نماذج خيرة مشرفة في الإحسان للمنكوبين، وهناك دول عربية دفعت وتدفع فواتير الحروب، ربما كانت المملكة أكبرها احتمالا لتكلفة الصراع في استقبالها العرب واندماجهم في المجتمع. لكن أميركا تريد من المملكة المزيد والمزيد بلا حدود!
الرئيس أوباما قبل أن يغادر البيت الأبيض قرر أن يبحث عن عمل بطريقة ساخرة قد لا نفهم الهدف منها، هل هو بحث ذكي عن عمل حقيقي أم مجرد امتصاص استباقي لسخرية الساخرين منه، لكن خفة ظله الشديدة "بين قوسين" جعلت شعوبا في عهده بلا عمل إلا قتل بعضها البعض بعد أن غذى برعايته للقتلة فكرة "حيلهم بينهم" التي نجيدها عبر التاريخ.
وقد نسأل أنفسنا كيف نزداد جهلا بالحقائق ونختلف على البدهيات، بينما اليوم الأحداث مصورة أمامنا والوثائق مسربة بين أيدينا والوقائع تدين المجرم الحقيقي؟!
أميركا اليوم تريد مقاضاة المملكة على ضحايا البرجين، وأتمنى أن تكون هذه آخر مهازل عهد أوباما وتتوعدنا برئيس متهور نرجو ألا يكون عهده أسوأ من عهد من سبقه.
السياسة التي كانت مصالح مشتركة بيننا من عقود استخراج النفط والتي استمرت بفرض منتجاتها وسلعها وثقافتها، والتي لا يزال أبناؤنا يتنافسون على الحصول على قبول في جامعاتها خدعتنا برئيس مسلم الأب قتل من المسلمين في عهده ما لم يقتل في عهد غيره! بل السلاح الذي نقتل به بعضنا صنع في أميركا، من نقاضي على أسلحة الدمار التي تبيدنا يا أميركا؟!
لو قرأنا الواقع يقال طباخ السم لا بد أن يتذوقه، والواقع أن أميركا لم يصلها بعد نتيجة ما تفعله، فليست حادثة البرجين كائنا من كان من خلفها إلا جريمة واحدة، والإرهاب الذي يستوطن الغرب قبل وأثناء وبعد الحرب الباردة، والمرتبط بتجارة السلاح والمخدرات ليس واقعا يتم التغافل عنه، وما الخوف من الفارين من جحيم الحروب الواصلين للغرب إلا استحضار لمخاوف تكرار ما حدث من مراقبة وتجسس على الفلسطينيين المقيمين في أميركا! الشعوب لا تباد يا أميركا والجرائم لا تنسى!
الخير والشر يرتدان على أصحابهما، وهذا قانون من قوانين الحياة؛ ورغم كون ما سبق قراءة شخصية لكن ما يحدث من زلزال في الشرق ضربت توابعه الغرب، كما حدث في أوروبا، فالإرهاب غذى القتل في نفوس القتلة الذين يملكون من الرغبة في التلذذ بالتدمير أضعاف ما يملكه أوباما وهم -أعني الإرهابيين- الذين يقصون الآخر أكثر مما يقصي ترامب المسلمين!
قبل سنوات تم إقصاء المذيعة الأميركية أوزي من برنامجها الصباحي لأنها كانت تسخر من ترامب الثري وتعارض الرواية الأميركية للهجوم على البرجين، ما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن نحن على ثقة من مواقفنا السياسية الثابتة التي عبرت أحلك المواقف، المهم أن أوباما وترامب وأميركا اليوم يقدمون لنا درسا مهما هو ألا نثق بهم أبدا في صنع المستقبل!