شهد هذا الأسبوع اجتماعات دولية مكثّفة حول ليبيا وسورية في فيينا. والأزمتان مختلفتان من حيث أطراف النزاع، ففي ليبيا هناك نزاع بين مكونات ليبية مناطقية وقبليّة وأيديولوجيّة بالإضافة إلى تأثيرات الجوار الليبي المصري والجزائري والتونسي على المكونات الليبية، وأيضاً الجوار الأوروبي، إذ إن ليبيا وحدها تشكل نصف الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط والمجاور للشواطئ الأوروبية، بالإضافة إلى وجود ما يعرف بإمارة داعش التي تتمركز في مدينة سرت في وسط ليبيا.
انتهت اجتماعات ليبيا تقريباً إلى اللاشيء باستثناء تحريك بعض الدعم العسكري لقوات الجيش الوطني الليبي الذي يخوض حرباً حقيقية مع تنظيم داعش.
أما على مستوى الاتفاق السياسي فقد بقيت الأمور على ما هي عليه بين الأطراف السياسية الليبية حول وثيقة الصخيرات التي أعلنت برعاية الأمم المتحدة ولا تزال من دون تصديق من البرلمان الليبي المنقسم على نفسه حول بعض بنود اتفاق الصخيرات.
أما اجتماعات فيينا السورية فلقد كانت أكبر من حيث أطرافها من العرب والإقليميين والدوليين، وأكثر تعقيداً بحيث يصعب تأمين مصالح الأطراف الخارجية من إقليمية ودولية على حساب الشعب السوري الذي أصبح نصفه مشرداً خارج وطنه والآخر محاصر معيشياً من قبل النظام وإيران بحيث إن بعض المدن لم تدخلها المؤن منذ ثلاث سنوات وتعاني من مجاعة إنسانية بالإضافة إلى فقدان الأدوية وباقي أسباب الحياة.
الأمر الأكثر تعقيداً الآن في سورية هو اختلاف الأولويات بين الروسي والإيراني. فروسيا التي دخلت إلى الميدان السوري بتنسيق تام مع الولايات المتحدة الأميركية وتعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما شريكاً لها في هذا التدخل، ترى أن مرحلة ما بعد أوباما تشكل خطراً على مصالحها وتدخلها خوفاً من تغيير السياسة الأميركية مع الرئيس الجديد، لأن النزاع في سورية ومنذ بدايته أخذ أشكالاً مختلفة بسبب التدخل الإيراني الكبير في الأزمة السورية ومعه حزب الله والميليشيات العراقية إلى جانب النظام.
تسعى روسيا مع الولايات المتحدة الأميركية إلى إنجاز تسوية سياسية سريعة من خلال ما يشبه اتفاق الطائف في لبنان، وهي تُعِدّ مع الإدارة الأميركية مشروع دستور جديداً يتم فرضه على الأطراف بالتعاون بين روسيا وأميركا، وذلك قبل نهاية يونيو القادم، وتشكيل حكومة انتقالية تكون ضامنة لتنفيذ الاتفاق الروسي الأميركي الذي تبلور بعد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي متجاوزاً خطوط أوباما الحمراء بعدم استخدام السلاح الكيماوي. فجاء التفاهم الروسي الأميركي بنزع السلاح الكيماوي تفادياً للضربة الأميركية للنظام وتغيير قواعد الاشتباك حرصاً على المفاوضات الأميركية الإيرانية، مما عزز الدور الروسي في سورية والذي تعاظم بعد الدخول العسكري الروسي في سورية ورسم خطوط حمراء جديدة حاولت إيران تجاوزها في الأسابيع الماضية في حلب.
تعتبر إيران أن الاتفاق الروسي الأميركي يشكل نهاية لتورّطها في سورية ويجعلها الخاسر الأكبر في الميدان السوري، وخصوصاً بعد اتفاقها النووي مع الرئيس أوباما الذي يعتبر أنه أعطى إيران جائزة كبرى على حساب حلفائه في المنطقة، من الدول العربية والخليجية تحديداً. لذلك تسعى إيران إلى تعطيل التفاهم الروسي الأميركي مرحلياً وتأخير البحث في حلّ الأزمة السورية إلى ما بعد أوباما وانتخاب الرئيس الأميركي الجديد الذي يحتاج على الأقل إلى سنة بعد انتخابه لتكوين إدارته وتحديد سياسته الخارجية. وبذلك تكون إيران قد استفادت من هذه الفترة لكي يكون الاتفاق حول سورية معها ولمصلحتها.
طبعاً ستشهد فيينا وجنيف وباريس اجتماعات مكثفة في الأسابيع القادمة، وذلك في الأيام الأخيرة من الدبلوماسية الأميركية قبل الانكفاء الأميركي إلى العملية الانتخابية الحادة بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري. وخلال هذه الأسابيع ستشهد سورية نزاعاً خفياً وعميقاً بين روسيا التي تريد حل الأزمة مع أوباما كي لا يصبح تدخلها في سورية مأزقاً، وبين إيران التي تريد إطالة عمر النزاع إلى ما بعد أوباما. وبذلك تكون سورية الآن ساحة نزاع روسي إيراني بامتياز.