لا أظن أن الشعر سيخفت بريقه أو جاذبيته. كل الفنون التي تعبر كومضات وأحيانا كموضات سريعة، لم تستطع إبعاد الشعر وإزاحته عن مكانه المتصدر الأثير. كل الحماسات التي تغيب وتحضر مع صعود تيارات وأفكار وموجات فنية وإبداعية، سريعا ما تعود إلى حجمها الحقيقي. مسرح وسينما ورواية وقصة وقصة قصيرة ونص مفتوح وصحافة والقراءات الموازية، وموت المؤلف والقارئ ووسائل التواصل وكل الأوعية الأخرى: فنية إبداعية تقنية، عبرت وبقي الشعر وحيدا أثيرا وخيارا في مواجهة الحياة وقسوتها، وسره بسيط وعميق، واضح وغامض في آن واحد. التوصيفات النقدية المشغولة بضبط كل كلمة وتشذيبها وفق مقاييس نظرية عجزت في مهمتها أمام الشعر، لا أحد قادر على توصيف الشعر أو حكره في رداء لفظي أو وجداني، لكن وفي الوقت ذاته كل فرد شاعر أو متذوق أو ناقد يمكن أن يعطيك فهمه ووعيه للشعر وهذا شيء كبير وسحري.
الشعر كالحب تماما، دَوّنا عن كل أشياء الحياة ومفاهيمها. إذا استطعت أن تمسك الحب فإنك في الوقت ذاته تكون قد لمست الشعر، وإذا كتبت الشعر بصدق فإنك أقرب ما تكون إلى الحب. الحب والشعر مقترنان ببعضهما إلى حد كبير، ما ينطبق على الأول يمكن قياسه على الثاني، هما تقريبا السران الشعوريان اللذان ما زالا يشغلان البشرية، كل الأزمنة بفلاسفتها ومحبيها ومجانينها وعشاقها وسفلتها. حاولوا مقاربة فهم ما تجاه الحب والشعر، لا أحد نجح ولا أحد فشل، تمضى سفينة الحياة تعبر محيط الأزمنة، وهي تحمل الحب والشعر، مهمة مضنية ودائمة تغري المغامرين والمجانين والعشاق والفلاسفة بمحاولة التصدي للمهمة المستحيلة والتافهة التي لم يخفت بريقها منذ الأزل ولن يكون. أسرار الحياة التي تفاجئنا ببساطتها وتعقيداتها، وضوحها وغموضها، فإن أردت أن تصف الشعر أو تعرّفه، فعرّف الحب وصفه، الشعر حب والحب شعر، وما بينهما تجري بحار من الحبر والمحاولات الشجاعة لمجرد وصف الأمر وبيانه.