في الحقيقة راق لي ما قامت به الطالبة في الطائف حينما أهدت معلمتها خروفاً، أخشى من وزارة التعليم لدينا أن تعاقب المعلمة، بسبب محبة طالباتها للدرجة التي دفعت إحداهن لإهدائها خروفاً، لكنني في العين ذاته أنا متأكدة من سعادة المعلمة، بالتأكيد ليس بسبب الخروف، وإنما بسبب التقدير الذي تلقته من طالبتها المحبة، وها نحن من مرحلة إلى أخرى، نكتسب فيها خبرات مما حولنا، وحينما نجد من يعطي في عمله بمثابرة واجتهاد عال، نشعر بسعادة تغمرنا، فما بالك بأن تكون معلماً لأطفال صغار، فيعني ذلك أن تتحمل طاقة لا حد لها، إلى جانب الاهتمام الأكبر بمشاعرهم المرهفة، التي لم تتجل بعد، ولم تنضج حتى تصبح مدركة لما يقدم لهُ أو لها من أجل مستقبلهم القادم.
وأعترف ونحن صغار كنا نغرم بشدة، بأي معلمة يمكن أن ننشد في داخلها أمومة بيضاء، وكما قلت إن ما تقوم به المعلمات هو إدراج لثقافة قادمة للنشء، والذي سيكبر وتكون لهُ قضية يبحث عنها بل وربما يناضل من أجلها، فلا يمكن الاستهانة بمشاعر الطلاب أو الطالبات تجاه من قام على تعليمهم.
وما بين خروف الطائف وقضية طبيب الأسنان مهنا سعود الذي قام بحرق شهادته أمام مبنى وزارة الخدمة المدنية في الرياض، احتجاجاً على عدم تعييه منذ تخرجه قبل أكثر من عام ونصف العام، فأنا أستغرب من عدم وعي الطبيب بأن هذا المجال الطبي قد فاضت به المملكة منذ سنوات طويلة، لذا، لجأ الكثيرون منهم للعمل في العيادات الخاصة التي أصبحت متوافرة بشكل كبير، حتى إن الأشقاء في مملكة البحرين يأتون للمملكة بغية الحصول على الخدمات الطبية للأسنان، التي تتوافر بشكل واسع وبأسعار جيدة ومقبولة لميزانية إخوتنا البحرينيين، وعلى الأخص أن هناك عروضاً مغرية لا تنقطع تقدم باستمرار للزبائن.
وما زلت أذكر أني قبل أقل من عام سبق أن التقيت بشقيقة صديقتي، وكانت قد أنهت دراستها في طب الأسنان في الولايات المتحدة الأميركية، وسألتها عن المكان الذي تعمل به الآن، فأخبرتني بأنها تعمل في مستوصف قريب من بيتهم، وهذه هي الوظيفة التي أتيح الحصول عليها، قالتها بهدوء وثقة من دون استسلام أو من تذمر، أو أن تقوم كما قام به مهنا بحرق شهادتها أمام الوزارة، فقد عُرف عن زهراء اجتهادها الكبير في الحصول على أعلى الدرجات العلمية، وربما كانت أبعد عن "هياط" الشباب، وربما لأن زهراء لا تزال تأمل بمستقبل أكبر مما هي عليه، وقد أباحت لي بحلمها وطموحها الكبير بإكمال دراساتها العليا في الخارج، حتى لو كان ذلك على حساب والدها الذي يدعم جميع أبنائه بمساواة كاملة، وربما هذا ما جعل زهراء أكثر استقراراً وبعيدة عن الأرق المعنوي و"الهياط" الصبياني.
من جانبها، أوضحت وزارة الخدمة المدنية عبر بيان صحفي، أنها قامت بمراجعة بيانات الطبيب حسب سجلات برنامج التوظيف "جدارة"، واتضح أن المواطن مهنا العنزي حاصل على درجة البكالوريوس من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن بتقدير "مقبول"، وأشارت الوزارة إلى أن هناك وظيفة في نجران، لم يتقدم لها ولم تكن ضمن رغباته، وهنا انفجر مرة أخرى برنامج التواصل الاجتماعي "تويتر"، منذ أن عرف الجميع بأن الطبيب حاصل على تقدير منخفض!
وإن كان لي رأي في هذا الموضوع، فأنا لا أتفق على أن التعيين يتم عبر التقدير الدراسي، فقد درست في جامعة كان الطلبة فيها يتفوقون عليّ في الحصول على درجة "A"، رغم أنهم يكادون يقتربون شبراً من الغباء، إلى جانب عدم انتظامهم في حضور المحاضرات، وحينما بحثت ودققت في الأمر، نظراً لشعوري بالغبن وعدم الإنصاف لمجهودي الكبير في الدراسة، ليتبين لي الألم بأن بعض الطلبة، يقدمون خدمات متعددة للمحاضر أو دكتور المادة الدراسية الأكثر صعوبة، خدمات عديدة كشراء معدات لسيارة الدكتور، وتخفيض لأي وزن زائد حينما يقرر السفر لزيارة أسرته، فيما البعض يقدم له خدمات للعمل بشكل إقطاعي لأي مؤسسة تحتاج إلى استشاريين بنصف دوام، وهكذا دواليك...
فيما أني غردت معلقة على تقدير العنزي، بأننا حينما نقوم بزيارة إلى أي طبيب، فمن المستحيل أن نسأل الطبيب عن تقديره في الجامعة، لكن زيارتنا على الأغلب تقوم على سمعة المستشفى أو المركز الصحي، إلى جانب بالتأكيد سمعة الطبيب التي يتداولها الآخرون، أدرك مدى أهمية التقدير في الحصول على الوظيفة، لكن أيضاً لا ننسى أن العديد من الطلاب، معظمهم يجدون أن الغش في الامتحانات أو حتى رشوة بعض الأساتذة والمحاضرين بطريقة أو بأخرى أمراً مباحاً!
العنزي أخطأ في تصوير حرق شهادته، وهذا أمر أيضاً يعود له شخصياً، ربما لأنه قد بذل قصارى جهده للحصول على الشهادة الطبية، غير مدرك أن العديد من خريجي طب الأسنان "يقشرون بطاطس" وشهاداتهم معلقة على جدران منازلهم.