على مدى نصف عقد مضى، لم يتغير الموقف السعودي تجاه حتمية رحيل الأسد، بل طالبت الرياض بإزاحته قبل فوات الأوان، متمسكة بمبدأ مفاده لا مستقبل للأسد بسورية. في نوفمبر 2011 قال رئيس جهاز الاستخبارات العامة السابق الأمير تركي الفيصل خلال لقاء بنادي الصحافة الوطني في واشنطن، إن رحيل الأسد "أمر لا مفر منه". وفي يناير 2014 رحب وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل بقرار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بالمشاركة في محادثات مؤتمر جنيف2، مؤكدا أن الهدف من المؤتمر هو وضع حد لمعاناة الشعب السوري، من خلال إحداث تحول سياسي حقيقي لا دور لنظام الأسد فيه، وذلك تنفيذا لما جاء في إعلان جنيف1. وفي 30 سبتمبر من العام الماضي، أكد وزير الخارجية عادل الجبير أثناء مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، أن على الأسد أن يرحل أو أن يواجه "خيارا عسكريا". ورفض الجبير المبادرات الدبلوماسية لروسيا الداعمة لنظام بشار، وقال "لا مستقبل للأسد في سورية، وهناك خياران من أجل تسوية في البلاد: عملية سياسية يتم خلالها تشكيل مجلس انتقالي، والآخر عسكري ينتهي أيضا بإسقاط رأس النظام". ولم يتطرق إلى تفاصيل الخيار العسكري، إلا أنه ذكر أن الرياض تدعم قوى المعارضة المعتدلة، التي تقاتل القوات الحكومية ومتشددي داعش، على حد سواء.


تراجع الدعوات

في الخامس من مارس الماضي جدد الجبير تأكيد دعوته لرحيل بشار الأسد عن السلطة في بداية المرحلة الانتقالية المنشودة وليس في نهايتها.

وقال في تصريحات صحفية بالعاصمة الفرنسية باريس "بالنسبة لنا الأمر واضح جدا، رحيل الأسد لن يستغرق أكثر من 18 شهرا". وجاء هذا التشدد السعودي غداة تصريح للمبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، قال فيه إن مستقبل الأسد يجب أن يقرره السوريون أنفسهم، ولا يجب أن يُحدد مسبقا. كما جاء تأكيد الجبير بعد تراجع حدة المواقف الغربية المطالبة برحيل الأسد، وفي وقت لم تعد عواصم عالمية عدة تلح على أن يرحل الأسد عن السلطة منذ بداية عملية انتقالية تنهي النزاع الدموي.


إسقاط بشار

تمسكت المملكة بمبدأ حتمية رحيل الأسد. وفي هذا الصدد قال الجبير "المملكة طالبت بتدخل عسكري في سورية منذ البداية لحماية المدنيين، حيث يجب تغيير موازين القوى على الأرض لحل الأزمة السورية"، لافتا إلى أن هذه الأزمة ستنتهي من دون بشار الأسد، إما بعملية سياسية أو بالسلاح. واتهم الجبير إيران بالعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة، وقال إن طهران تتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار وتصدر الإرهاب، مشددا على أنه لا يوجد أي تغيير في موقف السعودية تجاه طهران.

وجدد التأكيد على أن إيران تسعى لتصدير ثورتها وتدعم الإرهاب وتحاول زعزعة الأمن والاستقرار في دول المنطقة، وتشعل الفتن الطائفية في المنطقة وتنتهج سلوكا عدوانيا، مطالبا إياها باحترام مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين. وأشار إلى أن اللقاءات مع المسؤولين الأميركيين ترمي إلى تعزيز العلاقة الإستراتيجية بين البلدين، وإلى توضيح رؤية السعودية 2030 للإدارة الأميركية، مؤكدا أن الردود كانت إيجابية جدا، ومشددا على أن العلاقات بين البلدين تاريخية وإستراتيجية وتعود بالنفع على البلاد.





اتفاق سعودي أميركي

رغم ما يتردد عن وجود فتور في العلاقات بين الرياض وواشنطن في الآونة الأخيرة بسبب أزمة سورية وغيرها من ملفات المنطقة، أكد وزير الخارجية عادل الجبير خلال الأيام الماضية، عمق العلاقات المشتركة بين البلدين، مؤكدا أن هذه العلاقات مبنية على أسس تاريخية ومصالح مشتركة راسخة أمام جميع التحديات.

وأضاف في مؤتمر صحفي عقده في مقر السفارة السعودية بواشنطن عقب لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما وولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض، أن الاجتماع كان بناء وهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة. ووصف زيارة ولي ولي العهد لواشنطن بأنها مثمرة وإيجابية، لافتا إلى أن المحادثات الثنائية تناولت ملفات المنطقة وموضوعات أخرى عدة. وأكد أن موقف المملكة تجاه الأزمة السورية متقارب مع موقف واشنطن، وأن البلدين متفقان على الحل السياسي للأزمة السورية وضرورة رحيل بشار الأسد، موضحا أن المملكة تسعى للحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعلى مؤسسات الدولة فيها.


تصاعد المطالبات

تزامنا مع زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى أميركا، تصاعدت الدعوات في واشنطن إلى تغيير سياسة الإدارة في التعامل مع الأزمة السورية واتخاذ موقف حازم تجاه بشار الأسد. وكان لافتا تقدم أكثر من 50 ديبلوماسيا بوزارة الخارجية الأميركية بمذكرة داخلية، انتقدت سياسة إدارة أوباما في سورية، وحثوا فيها الولايات المتحدة على شن ضربات عسكرية ضد نظام الأسد لإيقاف الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار في "الحرب الأهلية" التي مزّقت البلاد على مدى خمس سنوات. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المذكرة قولها إن أعمال العنف الشديد في سورية أربكت السياسة الأميركية، وهناك القليل من الأدلة على أن الرئيس أوباما لديه خطط لتغيير المسار، حيث إنه أعطى أولوية للحملة العسكرية ضد تنظيم داعش على جهود إزاحة الأسد.


تحول جذري

أشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة من شأنها أن تمثل تحولا جذريا في نهج الإدارة الأميركية تجاه الحرب الأهلية في سوريا، مؤكدة أن المذكرة الديبلوماسية تؤكد الصدوع العميقة والإحباط المستمر داخل إدارة واشنطن بشأن طريقة التعامل مع الحرب التي أودت بحياة نحو 300 ألف شخص. وأشارت إلى أن الأسماء الواردة في المذكرة معظمها لمسؤولين من المستوى المتوسط، وكثير منهم من الديبلوماسيين المحترفين، الذين كانوا منخرطين في سياسة الإدارة بشأن سورية على مدى السنوات الخمس الماضية، سواء في الداخل أو الخارج.

وقالت المذكرة إن "المبرر الأخلاقي لاتخاذ خطوات لإنهاء حالات الوفاة والمعاناة في سورية - بعد خمس سنوات من الحرب الوحشية - بات واضحا ولا يرقى إليه الشك، والوضع الراهن في البلاد سيستمر في تشكيل تحديات وخيمة، إنسانيا وديبلوماسيا وفيما يتعلق بالإرهاب".

وختمت المذكرة قائلة "حان الوقت لتقود الولايات المتحدة - مسترشدة بمصالحنا الإستراتيجية والقناعات الأخلاقية - جهدا عالميا لوضع حد لهذا الصراع نهائيا".