ضعف أداء معامل الكهرباء، وضعف برامج ترقيتها وتطويرها، وضعف التطوير في برامج الطاقة الشمسية والذرية والمتجددة، وضعف تحسين الأداء في قطاع الكهرباء، جعل من كل هذا انعكاسا سيئا على ميزانيات وأرباح شركة الكهرباء، فكانت الحلول محصورة على بناء مزيد من المعامل حتى أصبح القطاع عبئا على ميزانية الدولة، وعملت "القطاعات المعنية" على البحث عن "كبش فداء"، ولم يكن هناك أسهل من شماعة المواطن وإسرافه ورفع الأسعار.

لم تكن هناك قدرة على العطاء غير تكريس الجهد على الغزو الفكري وإقناع الرأي العام وصناع القرار بهدر المواطن واستنزاف المواطن للموارد، وأصبح هذا الغزو (بقصد وبغير قصد) برستيجا للمسؤولين حينما يصرحون للإعلام المرئي وفي المؤتمرات، وبرستيجا أيضا للمثقفين حينما يكتبون في الصحف في ظل عدم وجود قيمة مضافة، ويكون دائما "المواطن الخطيئة".

التقرير الأخير لشركة الكهرباء يوضح أن القطاع السكني يستهلك نصف الكهرباء والنصف الثاني تستهلكه القطاعات الأخرى، وقد يكون هذا طبيعيا، ولكنه لا يوضح، ودائما نصور المواطن المستهلك والمستنزف للموارد. عندما نسمع عن النمو السنوي لاستهلاك الكهرباء تكون النسبة عامة لكل القطاعات، بينما الحقيقة وأرقام التقارير السنوية لشركة الكهرباء توضح أن استهلاك الكهرباء في القطاع السكني ارتفع 35% في 5 سنوات، بينما القطاعات الأخرى ارتفعت 50% خلال الفترة نفسها.

خلال 5 سنوات ارتفع استهلاك الكهرباء في القطاع الصناعي 49% والقطاع التجاري 82%، بينما القطاع السكني ارتفع فقط 35%، ولا نسمع إلا عنه. ومع أن استهلاك التجاري والصناعي معا يعادل نصف استهلاك السكني قبل 5 سنوات، إلا أن الزيادة في الاستهلاك خلال السنوات الـ5 في التجاري والصناعي تعادل الارتفاع في القطاع السكني. السؤال: أين دور مجلس الشورى؟

نأتي للقطاع السكني:

ارتفع عدد السكان المواطنين مليونين خلال 5 سنوات، وهذا الفرق بين وفيات غالبيتهم من كبار السن كانوا -رحمهم الله- يستهلكون الكهرباء، ومواليد لا يستهلكون كهرباء -يفترض أن هذا التغيير يخفض من استهلاك الكهرباء- بينما العمالة الوافدة ارتفع عددهم 1.6 مليون خلال 5 سنوات، وهؤلاء كبار في السن ويستهلكون كثيرا من الكهرباء، خصوصا أنهم مع بقية الـ10 ملايين وافد بعوائلهم يستخدمون مكيفات ذات كفاءة متدنية يشترونها من الحراج وتستنزف الكهرباء، ولكن لأن كل ما لديهم مكيف واحد يبقى في الشريحة الأولى أو الثانية، فلا يدفع كثيرا.

سمعنا كثيرا عن استهلاك الكهرباء في السعودية للفرد الأعلى عالميا، هذه الأسطوانة المشروخة عند عدم القدرة على صنع التغيير أو عندما لا تكون لدينا قيمة مضافة في مقال أو لقاء تلفزيوني. الرد على هذه الادعاءات يجب أن يكون بسؤال عن مقارنات مع دول أخرى في "متوسط استهلاك الكهرباء للفرد في القطاع السكني"، وهذا أفضل مؤشر للمقارنات بين الدول المتشابهة مناخيا واقتصاديا، فستجده في الولايات المتحدة 4650 (ك. و. س.) أو (كيلو وات - ساعة)، وفي السعودية 4400 (ك. و.)، فالسؤال الذي يطرح نفسه مباشرة: "هل من المعقول أن يكون متوسط استهلاك الفرد في الولايات المتحدة يعادل مثيله السعودي؟"، كيف يكون ذلك، فالكهرباء في السعودية رخيصة، بينما في أميركا تقريبا خمسة أضعاف، وهم شعب يعتبر مثقفا، ولديه وعي وحس الترشيد في الاستهلاك، وحتى الطفل الأميركي يعي معنى الترشيد من مدارس الابتدائية.

وستصعق أكثر عندما تعلم أنه بمقارنة أكثر واقعية وحقيقية وتقاربا من مناخ مشابه، فمتوسط استهلاك الفرد الأميركي للكهرباء في القطاع السكني في ولايات تكون حارة في الصيف (الولايات الجنوبية)، فمثلا متوسط استهلاك الفرد للكهرباء في القطاع السكني في ولاية لويزيانا 6960 (ك. و. س.)، وولاية ألباما 6900، وفلوريدا 6000، وجورجيا 5800، وتكساس 5600، وجميعها بالـ(ك. و. س.).

جميع هذه الولايات حارة صيفا وقريبة جدا من مناخ جدة والرياض والدمام في الصيف والشتاء، ولكن متوسط استهلاك الفرد للكهرباء في القطاع السكني بهذه الولايات أكثر من متوسط استهلاك الفرد في القطاع السكني بالسعودية، والزيادة بين 27% و58%، هذه هي المقارنة العادلة مع أن أسعار الكهرباء أغلى بكثير من السعودية، والمواطن الأميركي حريص ويتلقى الكثير من الإرشادات في الاستهلاك.

يجب أن نبتعد عن المقارنة العامة، وأن نبتعد عن لوم المواطن على استهلاك القطاعات الصناعية والتجارية والحكومية، وأيضا يجب ألا نقارن مع المستوى العالمي، فأكثر من نصف السكان من الصين والهند وإفريقيا الغالبية العظمى منهم ليس لديهم سوى مصباح صغير.

نحن لسنا ضد الترشيد في الاستهلاك، ولكن إلقاء اللوم على المواطن سيحمله أعباء مالية كثيرة، فالأسعار ارتفعت مؤخرا، والمشكلة الكبرى ستبقى، فنحن لم نعالج المشكلة الأساسية.