أسلوب النهي، أسلوب شائع الاستخدام، ولا غنى للمتكلم أو الكاتب عنه .
والنهي ضد الأمر، والعقل يسمى النُّهْية؛ لأنه ينهى عن الوقوع فيما يخالف الصواب .
وللنهي صيغة ثابتة، هي: "لا" الناهية الجازمة، وهي المشهورة في نحو : "لا تفعلْ"، ويلحق بها في إرادة النهي اسم الفعل "مَهْ "، بمعنى: لا تفعلْ، و"صَهْ "، وتعني: لا تتكلمْ .
وأذكر هنا لطيفة لغوية أشار إليها علماء اللغة، وهي أن " لا " في دعائنا في آية سورة البقرة الكريمة في قوله تعالى : "ربنا لا تؤاخذنا " هي نهي في الاصطلاح، وإن كانت دعاء في الحقيقة كما أشار إلى ذلك الرضيُّ في شرح الكافية.
وقد وردت " لا " الناهية كثيرًا في شعر العرب، من ذلك قول الشاعر :
لا تقولي : أنتَ الفقير، فدعني
إنما الفقر خِسَّة الأخـلاق
وللنهي وقعه في المخاطب، والمستمع، ويبرز أثره لوروده في عبارة قليلة الألفاظ، عظيمة المعاني؛ لأن النهي لا يمكن أن يكون في عبارات طويلة يُنسي آخرها أولها تمامًا كما هو البيت من الشِّعر .
وإليك هذه العبارات التي من شأنها دعم الذات، وبناء النفس، يقول أبو الفتح البستي :
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
لذا :
لا تتجاهلْ أي رسالة تصلك، بل أبدِ تفاعلًا معها، وقم بالرد عليها، ولو لم يكن في حينها .
فهذا من حق من خصص لك جزءًا من وقته، واهتمامه.
لا تترددْ في مسح أي رسالة تصلك كلها همز، ولمز في أشخاص باعتبار جنسياتهم، والتهجم عليهم، والتدخل في شؤونهم.
لا تتهاونْ في القيام بكل أدب رفيع، وسلوك جميل يرى فيه صغير قدوة حسنة، ويجله كبير طالما بحث عنه.
لا تجعلْ في طريقك عقبات لا تكسبك سوى الضيق والكدر، اقتحم عالمك بوقود التفاؤل، ومداد الصبر.
لا تبخلْ عن من حولك بما منحك الله من علم، أو موهبة، أو قدرة .
لا تسارعْ بنقل كل خبر فيه معرفة، ونشر كل رسالة تحمل معلومة حتى تتثبت من مصداقيتها، وتتأكد من صحتها.
لا تهرعْ خلف الفضيحة؛ لتنشرها كاشفًا أسرار الناس؛ لتنال قصبة السبق في ميدان الفضيحة، والخزي، استر ما استطعت .
لا تقصرْ في الجلوس إلى أفراد أسرتك، وإمدادهم بالعواطف، ومناقشة أحوالهم، كن قريبًا، ولا توغل، وتناءَ بعيدًا، ولا تشطط!
لا تترددْ في ترك جلسائك حين تراهم ممن يتهاونون في القيام بواجباتهم، وأداء ما عليهم من حقوق.
لا تظنَّ أن إسعاد الآخرين يحتاج منك إلى فعلٍ كبير، فبكلمة، أو ابتسامة تستطيع أن تجد لها أثرًا كبيرًا .
لا تنسَ بأنك أفضل صديق لنفسك، احملها على ما يزينها، وانأَ بها عن كل ما يشينها .
لا تصنعْ معروفًا لإنسان، ثم تندم عليه ؛ لتنكره لك، فتحبط أجر عملك .. فأنت ما قصدتَ الإنسان لذاته، بل كنت ترجو الثواب ممن هداك للفعل الجميل .
لا تستمعْ للمثبطين من حولك ستراهم كثيرين، اسمع احترامًا لهم، ثم ادفن ما سمعته في مفازة التجاهل .
لا تجادلْ، وفِّر وقتك، واصرف جهدك في الارتقاء بنفسك ؛ لترى التغيير الإيجابي في حياتك .
لا تشاركْ بالكتابة في كل وسم يُطرح، فكثير من تلك الوسوم هدفها خبيث، وغايتها دنيئة .
لا تفكرْ فيما مضى كثيرًا، فيصيبك الأسى من مواقف خُذلت فيها، خذ منها دروسًا، وابحث عن كل جميل؛ لترى كل شيء من حولك جميلًا .
لا تترددْ في الإحسان إلى كل محبوب، حتى وإن كان من أهل البر والإحسان؛ لحاجته إلى الإحسان والدعم؛ ولذا قالت العرب في أمثالها : " اسْقِ رَقَاش إنَّها سَقَّايَة "، وهو مثل يُضْرَب في الإحْسَان إلى المحسن.