بعد أن تعرض مكتب توجيه البديعة بالرياض مع ثماني مدارس للبنات تابعة له للسرقة؛ أضيفت الثانوية الأربعون ليصبح عدد المدارس المسروقة تسع مدارس ومكتب التوجيه عاشرهن!
حدث هذا في الأسبوعين الماضيين وتم الاستيلاء على أجهزة، خاصة الحواسيب المحمولة المحملة بجزء كبير من عمل المكتب والمدارس، والغريب أن السرقات يرافقها تخريب حيث سجل السارق مرة على سجل الحضور والانصراف قهقهة، ومرة أخرى كتب (كان معكم سعيد!) ما يوحي أن اللص المخرب لا يخشى من افتضاح أمره بمعرفة اسمه من جهة، كما يبدو أنه أقرب للمراهقين المخربين لا اللصوص المحترفين.
في المدرسة الأخيرة نثر اللصوص – وربما كان سعيد أحدهم- خصلات من الشعر في الساحة الخارجية للمدرسة وكأنه يوهم بحدوث جريمة قتل لا سرقة، مما أثار رعب البنات اللواتي حضرن لأداء أحد الاختبارات. المدارس المسروقة في محيط قريب منا؛ وآخرها كنت أعمل بها قبل سنوات والمنطقة تتعرض لعمليات سرقة بدأت بسرقة عشرات السيارات بشكل شبه منظم ليلا والاستيلاء على محتوياتها، واستقرت أخيرا بالمدارس، مرورا بالاستراحات في حي نمار التي عجز لص عن كسر باب إحداها فكان أن شوه جدرانها من الخارج بالدهان!
الوضع يستدعي مراقبة بالكاميرات تردع أصحاب النوايا السيئة الذين بلغ بهم الاستهتار السرقة بنفس النمط؛ بل والتركيز على قطاع معين في دائرة تتسع وتصعب ملاحقتها مع تنوع طرقهم في العدوان.
لا أدري لماذا اعترض بعض الناس على مشروع نشر الكاميرات الذي طرحه أحد أعضاء مجلس الشورى؟! ولم يكن الاعتراض داخل المجلس بل حتى خارجه، أذكر أن بعض المعترضين على أثير الشبكة العنكبوتية ظن أن الكاميرات ستراقب البيوت من داخلها!
الكاميرا حل لمشاكل الإجرام بكل دول العالم؛ فكم من مجرم وقع تحت يد العدالة بسبب كاميرا أحد المحلات التي مرّ أمامها قبل أو بعد جريمته؛ بل تمت ملاحقة الإرهابيين الذين فجروا العام الماضي أحد المساجد بالخليج لأن الكاميرا التقطت صورا قبل لحظة التفجير، أيضا شبح الريم الذي افتضح أمرها من مراقبة الكاميرات الإماراتية التي كانت تسجل ما حدث بدقة.
حين تصور سيارات الشرطة أو المرور ما يدور لحظة القبض على مجرم ما فإن توثيق ما حدث يحمي الطرفين من الظلم والعدوان والإشاعات.
التوثيق المطلوب ليس للتشهير أو التلفيق لإنسان، وليس غرضه التداول بين الناس في وسائل تواصلهم، بل الغاية منه توثيق الجرم المشهود للجهات المختصة به من شرطة أو ادعاء عام أو قضاء.
اليوم كاميرات وخرائط جوجل تقودنا وتنير لنا الطريق، ولقطات الكاميرا الساكنة والمتحركة تبهجنا، فلماذا لا تحمينا لقطات كاميرات المراقبة من العدوان أو تكشف المجرمين؟!
الحقيقة أننا تحت سمع العالم وبصره كغيرنا من البشر، وكم من مقاطع صورت عرضا سارت في شرق الأرض وغربها، بل لم يؤثر منع التصوير حتى في المدارس من استمرار تصوير ما يدور بين جدرانها خاصة على برامج الفيديو في الهاتف المحمول!
نريد الجانب الأهم المراقبة، فالشر ليس مقصورا على حي أو سرقة بل مع وجود كم هائل من العمالة في بيوتنا ومحيط منازلنا، الرقابة هنا خيار جيد، ليس بمقدورنا اليوم حماية منازلنا ومحيطها بوضع كلاب للحراسة لأن مفهوم الحمى اتسع لما نملك كالسيارات التي تقبع خارج منازلنا.
نعود لسعيد الذي كتب على سجل المدرسة ورأينا ما كتبه مصورا من السجل الذي شوهه عمدا، وساهمنا في إبراز فعلته الشنعاء بحسن نية لأننا تناقلنا مجرد صورة لها فهل يا ترى أسعد وأرضى هذا غرور سعيد دون أن نشعر؟!
لو كان سعيد يقرأ لخشيت أن يبتهج لأنه أصبح مثارا للجدل بكلماته المستفزة التي أطلقها متهكما؛ لكن اللصوص لا يقرؤون الكلمات، بل يجيدون قراءة ما على الأرض وتحقيق أهدافهم فهو متأكد أنه من الصعب ملاحقة حاطب ليل في مساحات ممتدة تستره العتمة وانعدام العيون.
ولو كان سعيد يقرأ لنصحته أن يختار شرا أهون من فعلته فيبحث عن وظيفة يكسب منها رزقه لو كانت حتى شركة من شركات السعودة الوهمية فهي تمنحه مالا مقابل لا عمل!
الغريب أن الإنسان عدو لما يجهل حتى لو كان ما يجهله في مصلحته، ما أعجب أن نخشى الكاميرات ونحن في بحر لا يهدأ منها، ونحن أحوج للشعور بالأمن الذي وصلت إليه مدن ذكية قريبة أو بعيدة.
لاحظوا أننا لا نلقي اللوم هنا على وزارة التعليم التي نحمد الله أنها لم تصل إلى الحد الذي تسرق فيه في وضح النهار وإنما سرقت بليل، ولا نلقي التهمة على رجال الشرطة الذين يعملون ليل نهار على ملاحقة شتى المجرمين والإرهابيين الضالين، وملاحقة اللصوص ليست بالأمر الهين بعد وقوع الجرائم؛ لكنا نأمل ألا تمر مرحلة المراقبة بالمراحل التي مرت بها بعض المخترعات من تحريم وتجريم واستعداء رافق حتى الرغبة باستخدام مكبر الصوت في المساجد ونحن اليوم لا نتخيلها بدونه.
لنفكر جديا بالمراقبة والحماية فدرهم وقاية خير من قنطار علاج كما يقال وحتى لا يكون معكم سعيد!