كنت في 2005 مرافقا مع أختي لعلاج ابنتها في مدينة جنوب ألمانيا اسمها مانهايم، ونزلنا في فندق صغير يملكه إيراني وزوجته ويعملان فيه معاً، وكنت في بعض ساعات الليل أجلس مع صاحب الفندق الذي يعلق صورة خلفه تدل بوضوح على أنه من الشرق المسلم، وللهروب من الوقت ولتبديد قلقي على المريضة كنت أفتح معه أي حديث. عرف أني سعودي وعرفت أنه إيراني، أردت أن أجامله بالقول إن كثيراً من العقول الإيرانية تعمل في جامعات ومستشفيات ألمانيا، قال: إنهم الآن ألمانيون ويعملون لألمانيا، بعد ليالٍ من التعارف قال لي: أنت لم تسألني عن ديني ومذهبي، فأكثر زبائني من العرب والمسلمين يسألونني، فهل جاؤوا للنزول في الفندق أم لمعرفة دين ومذهب أصحابه؟ وأضاف: لن يتقدم العرب والمسلمون خطوة للأمام وهم مشغولون بهذه الأسئلة. قطع حديثنا سيارة البوليس التي توقفت في الشارع وسرعان ما غادرت، سألته عنها قال: نادرا ما يظهر البوليس هنا، ربما لاحظوا أحد السكارى أو تلقوا بلاغا عنه فأخذوه وانصرفوا فكما ترى أن الناس في الشارع راضون ويحبون البوليس ولا يخافون منه، كما هو الحال عند العرب والمسلمين.

تذكرت "يحبون البوليس" حين شاهدت على اليوتيوب فيلما قصيرا عن جهود رجال الجمارك ورجال مكافحة المخدرات على الحدود وفي الداخل، وشعرت بتعاطف كبير معهم، فهم مسؤولون عن نظافة آلاف السيارات يوميا من المخدرات قبل السماح لها بالدخول. والتعامل مع عصابات ومروجي الداخل، ويقومون بواجبهم الخطر في مواجهة مجرمين خطرين. كيف لو أن كل الكميات الهائلة من المخدرات التي تستهدف أبناءنا وصلت لأيديهم؟ صحيح أن القليل منها ينجح في الوصول لكن هذا لا يقلل من عظمة عمل هؤلاء الجنود العظماء. إنهم يستحقون التقدير، وشعرت لأول مرة أنهم يستحقون الحب.

وتساءلت: لم لا يكون لدينا كثيرٌ من هذه البرامج الوثائقية التي تظهر كفاءة وشجاعة هؤلاء الأبطال، برامج تملك عقل المشاهد وقلبه.

قبل شهور عرضت قناة العربية برنامجا وثائقيا عن الإرهاب في بلادنا خلال العقدين الماضيين، وهي فترة تطور فيها أداء الإرهاب وتطور فيها أكثر أداء رجال الأمن، وضع البرنامج المشاهد في قلب الأحداث والأسماء. لقد شهدنا لحظات الترقب والتوتر والحصار وتبادل الرصاص وتضحيات رجال الأمن من قوات الطوارئ، كيف يتعرضون مراراً ومباشرة لرصاص منتحرين يائسين، وكيف يقدمون حياتهم من أجل أن نبقى نحن آمنين في بيوتنا ومدارسنا ومؤسساتنا.

وقبل ليال كنت أتحدث مع ضابط كبير متقاعد، سألته: لماذا أنتم بخيلون في إطلاعنا على ما يحدث بشكل مستمر، أنتم تفضلون عادة الأخبار المقتضبة مع كل حدث، لكن الأخبار تطلعنا على المعلومة، والمعلومة نأخذ بها علماً لكنها لا تثير فضولنا ولا تملك قلوبنا، كما فعل وثائقي "العربية"؟. أجابني: إن هذا أمر تحكمه أمور كثيرة وحسابات أمنية واعتبارات تفرض التحفظ في التوسع في إعلانها.

إنني أقدر جوابه، لكن إحساس المواطن تجاه رجل الأمن يجب أن يكون كاملا، ولا بد من أفكار مبتكرة لعمل برامج تستهدف عقل المواطن وقلبه.

واضح اليوم أن الإرهاب يستهدف الأمن عموما، ويستهدف خصوصاً رجال قوات الطوارئ وضباط المباحث، أي رجال المداهمة ورجال المعلومة لهزّ معنوياتهم وتخويفهم ثم العبث بالأمن كله، وهذا ما لن يتحقق بإذن الله تعالى.

أكتب هذا وأتذكر حملة شنها الإرهاب العام الماضي في تويتر لكشف ضباط الأمن بصورهم وعناوين منازلهم والتحريض عليهم، وأتذكر أيضا حادثة تفجير مسجد الطوارئ في أبها حين تمكن رجل غريب من دخول المقرّ وتفجير نفسه.

نشد على أيدي رجال الأمن ونقدم لهم الامتنان والتقدير والحب.