يبدو أن الأمور اتضحت للجميع، فالدولة تقريبا خفضت كثيرا الإنفاق على المشاريع، وعلى الوزارات تمويل مشاريعها من دخل الوزارات، خصوصا الخدمية منها مثل النقل والبلديات والصحة والإسكان، والبقية ستكون في الطريق. قد يستغرق التحول لسنوات أطول بالنسبة للصحة والتعليم، ولكن بالنسبة للنقل والبلديات فيبدو أن الأمور تتخصخص بوتيرة سريعة.

خُفِضّت ميزانية النقل والتجهيزات الأساسية إلى 24 مليار ريال لعام 2016 بعد أن كانت 63 لعام 2015، وتشمل ميزانيات وزارة النقل، والمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، وهيئة النقل العام، والهيئة العامة للموانئ، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والمؤسسة العامة للبريد السعودي، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات.

بالإضافة إلى هذا الخفض في الميزانية للنقل وأخواتها، تم إلغاء جميع المشاريع المتعثرة، سواء التي لم ترس بعد أو المشاريع التي بدأت ولكنها متعثرة طالما أن هناك خطّا للتراجع. أيضا هناك مشاريع كانت مؤكدة في الطريق ولكن تم تأجيلها وربما في طريقها إلى الإلغاء مثل مشروع مترو المدينة المنورة الذي يبدو أنه وصل إلى مرحلة التراجع قبل البدء. أما مشروع مترو الرياض فيبدو أن الأمور تسير على ما يرام، ووصل المشروع إلى مرحلة 30% من الإنجاز، ولا أعتقد أن هناك خطا للرجعة وإلا لكان المشروع ضمن المشاريع التي جُمّدت.

كل هذه الدلائل تدل على شيء واحد وهو أن قطاع النقل سيكون أول من سيدخل الاختبار لمادة الخصخصة، فجميع مشاريعها ستكون ممولة من القطاع الخاص الذي سيحصّل عوائده من استخدام هذه الخدمات، فتوسعة المطارات ستكون ممولة من القطاع الخاص وكذلك القطارات بين المدن وأيضا قطارات المتروبوليتون (المترو) داخل المدن، والموانئ والبريد والنقل داخل المدن وبين المدن وطرق الدائري حوالي المدن والطرق بين المدن والموانئ والبقية.

القطاع الخاص سيقوم بالاستثمار وسيحصله من استخدام المواطن والشركات التي ستحول الفاتورة على المواطن، أي أن المواطن سيدفع رسوما على جميع خدمات النقل. هكذا تبدو الخطة مع تحفظي على نجاحها، لأن القطاع الخاص ليست لديه القدرة المالية ولن يستثمر في مشاريع عوائدها بعيدة المدى ومخاطرها عالية.

لو افترضنا أنها تمت بنجاح فتكون الدولة تخلصت من مسؤولية 500 مليار ريال في 10 سنوات، وتحملها القطاع الخاص وتكون عوائدها من المواطن. فعند عمل حسبة الأرقام ستكون تكلفة النقل 800 ريال شهريا كمعدل على كل مواطن مشتغل، وستكون عبئا على الراتب بنفس حجم معدل المصروف على الكهرباء والمصروف على التلفونات والبنزين.

السؤال يبقى ما الخطة الكاملة للمملكة؟ أين ستوزع رواتب المواطنين؟ وأجزم أن "ماكنزي" صورت لنا الوضع المستقبلي أسهل بكثير مما سيكون.

تحميل الإنفاقات التي كانت تقوم بها الدولة على الرواتب بطريقة مباشرة وغير مباشرة خطأ كبير، فالرواتب لها سقف أعلى وهي متدنية بالأساس، وسيضاف عليها ضرائب القيمة المضافة وزيادة الرسوم والخدمات والبنزين والكهرباء والمياه.

في جميع الأحوال، لا يمكن لنا أن نتحول ضمن برنامج التحول الوطني دون تحول حقيقي وخطة واضحة في تطوير الصناعات والخدمات المتقدمة، وتوليد الوظائف ذات الرواتب المجدية ورفع سقفها.