كانت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية طبيعية قبل الثورة، أما بعدها فرأى الخميني أن الورقة الفلسطينية من أهم أدوات إستراتيجية اختراق الداخل العربي ومخادعة الشارع العربي.
فمنذ عام 1979، صمّت إيران آذان العالم الإسلامي بما يسمى العداء لإسرائيل، وتشكيل محور المقاومة والممانعة. رددت طهران ومعها بعض المخدوعين من عرب وعجم شعارات "الموت لأميركا"، و"الموت لإسرائيل" عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي الخطب السياسية والوعظية، بل وفي المؤتمرات الإقليمية والدولية، ورفعت اللافتات ورسمت الجداريات التي تبرز العداء المزعوم تجاه إسرائيل، ووضع قادة إيران الكوفية الفلسطينية على أكتافهم ليكتمل المشهد المخادع.
لكن الحقيقة غير ذلك تماما، وما يدور في الخفاء مغاير جملة وتفصيلا لما يظهر في العلن.
كانت أولى الفضائح بعد الثورة ببضع سنوات فقط، وتحديدا صفقة ما يعرف بـ"إيران كونترا" الشهيرة، حيث صفقة الأسلحة الإسرائيلية الداعمة لإيران في حربها ضد العراق. أحدثت تلك الصفقة ربكة في الداخل الإيراني، وقد اعترض عليها آية الله منتظري الذي كان يشغل منصب نائب الخميني، إلا أن الأخير أصر على إتمام الصفقة وعاقب منتظري بالعزل من منصبه، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وقد ذكر منتظري في مذكراته الشهيرة تفاصيل تلك الصفقة، والزيارات المتبادلة والسماسرة الذين عكفوا على إنجاحها.
وتوالت فضائح التعامل الإيراني الإسرائيلي، ففي 2011، كشفت تقارير إسرائيلية أن 200 شركة إسرائيلية على الأقل تقيم علاقات تجارية مع إيران، وتشمل العلاقات التجارية الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني الذي تستخدم إيراداته لتطوير المشروع النووي في إيران، وذلك
حسبما ذكر في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إذ ذكرت أن الإسرائيليين يصدرون إلى إيران بشكل خاص وسائل للإنتاج الزراعي منها الأسمدة العضوية وأجهزة التنقيط وهرمونات لإنتاج اللبن والحبوب.
وفي 2014 نشرت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية تصريحات للنائب في البرلمان الإيراني مصطفى أفضلي فرد والمتحدث باسم "لجنة المادة تسعين" البرلمانية، اعترف فيها بوجود 55 شركة إيرانية متهمة بأنها على صلة مع شركات إسرائيلية، وطالب البرلمان وزارتي الأمن والخارجية الإيرانيتين بمتابعة الأمر.
الاتجار بالنفط الإيراني خلال فترة العقوبات من رجال أعمال إسرائيليين، كان أيضا جزءا من التعاملات السرية بين إيران وإسرائيل. كما تحدثت تقارير إعلامية عن قيام شركة نقل إسرائيلية ببيع ناقلة نفط تابعة لشركة "الإخوة عوفر" الإسرائيلية لإيران.
ومع وصول روحاني إلى كرسي الرئاسة، كان هناك معرض ومؤتمر مُعادٍ لإسرائيل يتم التحضير له في طهران، إلا أنه وقبل التدشين جاءت الأوامر بإلغاء هذه المناسبة، واستبدالها بأخرى معادية للمملكة العربية السعودية تحت عنوان "الوهابية".
ومؤخرا طالب روحاني بإزالة عبارة "الموت لإسرائيل" من على الصواريخ الباليستية الإيرانية، حسبما ذكرت وكالة "مهر" للأنباء الإيرانية شبه الرسمية.
وذكرت الوكالة أن روحاني بعث برسالة إلى المرشد الأعلى، ملتمسا موافقته على إزالة عبارة "الموت لإسرائيل" التي ظهرت على أحد الصواريخ الإيرانية التي قام الحرس الثوري الإيراني بإجراء التجارب عليها.
وأخيرا، وقبل أيام قليلة فقط، فجّر موقع قناة روسيا اليوم فضيحة من العيار الثقيل، وهذه المرة في الإطار الإعلامي، إذ أكد الموقع أن تقريرا لموقع "سات أج" المتخصص في رصد حركة الأقمار الصناعية حول العالم وما تحمله من قنوات تلفزيونية، كشف وجود 6 قنوات إيرانية دينية "شيعية" موجهة إلى العالم العربي تبث من "إسرائيل".
وقال التقرير إن القنوات هي "آل البيت، الأنوار، فدك، الحسين، العالمية، الغدير"، وجميعها رغم اختلاف مسمياتها تبث عبر القمر الإسرائيلي "آموس"، من خلال شركة "أر.أر.سات/ RR Sat"،
حسبما نقل موقع قناة روسيا اليوم الذي قام لاحقا بحذف الخبر من صفحته العربية.
وأوضح التقرير أن القنوات تلبس رداء التشيع وتتظاهر بالولاء لآل البيت، وتجتهد في تمرير الرؤية الإيرانية، وإقناع الجمهور العربي بها. لقد أكد التقرير أن شركة الأقمار الصناعية المشار إليها، هي شركة اتصالات "إسرائيلية" خاصة، يملكها رجل الأعمال دافيد ريف، ويرأسها منذ أبريل 2001 راموت جلعاد، وهو عميد احتياط في قوات الدفاع الجوي "الإسرائيلية".
يذكر أن الشركة تأسست عام 1981 بموجب ترخيص من وزارة الاتصالات "الإسرائيلية".
خلاصة القول، ما تم عرضه هو جزء يسير، وما خفي كان أعظم. فمما لا شك فيه أن هناك تعاونا إيرانيا-إسرائيليا إستراتيجيا ضد العرب، وهناك تقاطع كبير للمصالح بينهما، كما أن لكل من هذين الكيانين خططه وإستراتيجياته تجاه المنطقة العربية.
فإذا كانت إسرائيل تسعى إلى تكوين ما يسمى بإسرائيل الكبرى، وتمتد من النيل إلى الفرات، فإن المشروع الإيراني لا يقل خطورة عن ذلك، فطهران تسعى إلى إعادة تشكيل الإمبراطورية الفارسية، وتوسيع حدودها الحالية لتبتلع كثيرا من الأراضي العربية إلى جانب أرض الأحواز المحتلة.
إيران تستغل العداء العربي تجاه إسرائيل، من خلال اللعب بالورقة الفلسطينية، لتصبح حصان طروادة، وهي لا ترغب مطلقا في حل هذه القضية، لضمان استمرار تدخلاتها في الشأن الداخلي العربي.
من جانبها، ترفع تل أبيب شعارات العداء لإيران، وتضخم قوتها لإشغال العرب عن قضيتهم الأولى، القضية الفلسطينية، وفي كلتا الحالتين لا تتجاوز هذه العداوات المزعومة بين إيران وإسرائيل الحرب الإعلامية الممجوجة.
من هنا، يقع العرب بين فكيّ كماشة إيرانية-إسرائيلية، وما لم يكن للعرب مشروعهم المضاد، فسنردد جميعا مقولة "أُكِلنا يوم أُكِل الثور الأبيض".