في "تويتر" ووسائل التواصل الاجتماعي؛ كان رد الفعل الجماهيري على درجة عالية من العنف، بعد فوز "صادق خان" بمنصب عمدة مدينة لندن الكبرى، ووصلت ردود الأفعال إلى حد الفكاهة، إذ تدرجت الأسئلة السمجة المعتادة: هل هو مسلم أم ملحد؟ هل هو إسلامي أم علماني؟ سني أم شيعي؟ لماذا مواقفه موالية لليهود؟ وكثير من التعليقات الهابطة التي لا أود عرضها في هذه المساحة الضيقة، ولكن السؤال المطروح: متى نتجاوز نحن العربان هذه التجاذبات الطائفية الضيقة؟ ما هذا التفكير القاصر الذي يجير فوز خان بأنه انتصار لطائفة على حساب الأخرى؟ ما السبب الجوهري الذي أدى إلى بروز هذه التغريدات العنصرية؟

الجواب هو: أنه كلما زاد عنف الإنسان وشراسته دل ذلك على أن هناك خوفا يعشش في داخله. ولذلك كانت العبارة الأولى لـ"خان" بعد فوزه في الانتخابات: "أنا فخور بأن لندن اختارت اليوم الأمل على الخوف". وقال في عبارة أخرى: "إن سياسات الخوف غير مرحب بها في مدينتنا".

إن الاتهامات المتبادلة والشتائم الممطرة هي دليل واضح ومؤشر على حالة الخوف التي تعيشها مجتمعاتنا، ولذلك أصبحنا نُفرق دائما بين الملل والأصول والأعراق والمذاهب، لا يختلف في ذلك من ادعى أنه إسلامي أو ليبرالي أو قومي أو يساري، أو سني أو شيعي، ولعل قصة فوز صادق خان خير دليل على أن بعض الأفراد يعيشون حالة من الخوف من كل شيء، فالخوف والرهاب معطلان للعقل، ولا غرابة أن نرى الإبداع الاستدلالي والسفسطي يظهر على أشده خلال تأصيل ذلك الخوف، عن طريق إثبات كل فئة أحقيتها في الامتيازات، وعندما يتسلل الخوف داخل الإنسان، ويتحكم في عقله تصبح قاعدة الخوف مُلهمة له، فتراه مُنكفئا على نفسه ومنكمشا، وفي الحال ذاته تجده منتفخا يكاد من غروره بالأوهام يطير في السماء، وفي هذه الظروف ينتهز الفرصة المتفذلكون من المثقفين والكتاب والدعاة، للاستفادة من هذا الوضع لتأجيج الصراع وإطلاق الاتهامات وعبارات التراشق للتصعيد من حالة الخوف.

كان "خان" يركز في حملته الانتخابية بشكل كبير على حل مشكلة الإسكان، وكيفية جعل لندن مدينة التسامح العرقي والديني، وفي الحال ذاته كان المحافظون والمرشح المنافس المليونير "جولدسميث" يركزون بعنصرياتهم على خلفيته الدينية، إلا أن شقيقة "جولدسميث" انتصرت على الخوف وأعلنتها أمام مرأى الجميع، عندما انتقدت أخاها المرشح على أسلوبه العنصري ضد "خان"، وتلقى خان التهاني بالفوز من رئيس بلدية نيويورك "بيل دي بلاسيو" ورئيسة بلدية باريس "آن هيدالغو"، والزعيم العمالي "كوربين" إذ قال "مبروك صادق خان. أنا تواق للعمل معك في سبيل أن تكون لندن عادلة للجميع".

أخيرا أقول: التطرف والخوف وجهان لعملة واحدة، والخطوة الرئيسة في علاج هذا الداء هو الإيمان بالتسامح والتعايش واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، والمساواة والتنمية، ويمكننا أن نطلق عليها كذلك "روشتة الانتصار على الخوف".