أحمد حسين الأعجم
حينما تسأل أي طلاب في مدرسة أو شباب في الشارع عن دورنا في المحافظة على الثروة المائية أو عن دورنا في التقليل من التلوث سيجيبونك بكلام غاية في الجمال والروعة، بل أشبه بالشعر لكنهم يفعلون عكسه تماما فيعبثون بالمياه في المدرسة ويرمون النفايات في كل مكان.
ولو سألتهم عن برّ الوالدين لأجابوك بكلام يبكيك من رقّته ولطفه! وليس فقط الطلاب والشباب، بل كذلك أبناؤنا في البيوت يقولون ويفعلون ذلك، وتجد كثيرا من المسؤولين يتحدثون في كل لقاء ومناسبة عن أهمية الابتسامة مثلا وتأثيرها فيمن حولك، ومفعولها السحري في إنجاح العمل بروح الفريق الواحد، وحينما تأتيه في مكتبه لا يكاد ينظر إليك، بل إن الابتسامة لا تعرف الطريق إلى وجهه إطلاقا!
هذه التناقضات سببها الأول التنظير، فنحن أمّة التّنظير الأولى في العالم، ولو نظرنا حولنا سنكتشف بسهولة أننا نعيش في مجتمع تسيطر عليه ثقافة التنظير فالكل يُنظّر، فالدّعوة إلى الله تنظير ولذلك تأثيرها ضعيف بدليل ضعف تديّننا وشكليته وارتباطه بالمصالح، وتعليمنا تنظير ولذلك مخرجات تعليمنا كلها معرفية نظرية، وثقافتنا تنظير ولذلك معظم الطرح الثقافي بعيد عن الواقع، التربية والأخلاق تنظير ولذلك المستوى الأخلاقي والتربوي في انحدار والفساد الأخلاقي في ازدهار!
رغم كل البرامج والتوعية التربوية، والإعلام تنظير ولذلك فمعظم طرحه أكاذيب ومبالغات وهياط، الأب ينظّر والمعلّم ينظّر والأخ الأكبر ينظّر والبائع ينظّر والحلاّق ينظّر والمسؤول ينظّر، الكل في الكل ينظّر، وهذا ما جعلنا أمة معظم مشاريعها وإنجازاتها تنظيريّة، قمة الكمال على الورق، وقمة السوء على الأرض!
ولعل أكبر دليل على سيطرة التنظير هو ما تحتويه وسائل التواصل الاجتماعي على المستوى العربي بكل أقسامها وأسمائها، فكلها طرح تنظيري يخلو كثير منه من الواقعية، حتى قيل لو طبق المسلمون ما يقولونه ويتناقلونه من مبادئ وقيم ومثاليات لصافحتهم الملائكة في الطرقات! ولعل هذا هو سر قلة المبدعين في العالم العربي تحديدا، فالمجتمعات التي تمتلئ بالمنظرين تخلو من المبدعين!