جاسم العبود
فاضت أروقة "فيسبوك" -إحدى وسائل التواصل الاجتماعي- بالنقاشات والحوارات حول مشاركة المرأة على شبكات التواصل الاجتماعي. المرأة على هذه الشبكات استطاعت إزالة كل العوائق والقيود، وهيأت لنفسها الأرضية الصلبة، وفتحت أبوابا في الأمس القريب كانت مؤصدة، ودخلت بقدم المساواة كشريكة حقيقية وليس تابعة، هذه الحقيقة غطت سحبها سماء المجتمعات العربية، وهطلت أمطارها على النساء العربيات بصفة عامة.
انطلقت المرأة تجدف بقاربها في لجة هذا البحر المتلاطم الأمواج "فيسبوك"، ونجحت في مشاركة الرجل حقها في الظهور والبروز في عالم الإنترنت الافتراضي، وأوجدت لها المتنفس الصحي للتعبير عن رأيها وقضاياها، وشاركت الرجل والعكس في النقاشات والحوارات بعد أن كانت محرومة من رؤيتها فضلا عن المشاركة فيها.
يوما بعد يوم يزداد عدد سكان هذا العالم الافتراضي "فيسبوك" حتى تخطى عدد مستخدمي هذه التقنية، حسب آخر إحصاء، المليار نسمة، وما مشاركة المرأة في هذا الفضاء الإلكتروني ودخولها في حوارات ونقاشات، إلا نوع من التجسيد لعالمنا الحقيقي وقضاياه المطروحة، ولامسنا كثيرا من الحوارات انتقلت من هذا العالم الافتراضي "فيسبوك" إلى العالم الحقيقي، وأصبحت أحداثه واقعا وحقيقة ملموسة.
تعيش المرأة العربية في الفضاء الإلكتروني مخاضا صعبا وصراعا يجعلها بين مطرقة طموحها وتطلعاتها، وسندان مجتمع شرس لا يريد لها النهوض بذاتها فضلا عن مساواتها بالرجل، وذلك تعبيرا عن موروثه الثقافي في مصادرة حقوقها وتقييد حريتها تحت مظلة قوامة الرجل وسيطرته وهيمنته وأولويته.
ثقافة ذكورية مستبدة تسعى جاهدة، وبكل قواها، إلى إبقاء المرأة أسيرة الجهل والطاعة والخضوع، خلال تعميم ثقافات ملفقة تنال من صورة المرأة على هذا الفضاء الإلكتروني، والمبادرة إلى ترويج إعلانات مغرضة تنادي بالتخلي عن شبكات التواصل الاجتماعية إزاء تضامنها مع المرأة وإتاحة الحرية لها بالحضور والمشاركة.
إيمان المرأة العربية بحقها في الحضور والمشاركة في هذا العالم الافتراضي، وقناعتها بقدرة هذا الفضاء الإلكتروني على إيصال رأيها وصوتها، ورغبة منها لفك قيود اجتماعية بالية، زاد من ثباتها وإصرارها على مواصلة المسيرة في لجة هذا الفضاء الإلكتروني، ثم على المجتمعات تجاوز هذا الحاجز النفسي وإعادة صياغة منظومة المفاهيم والأعراف الاجتماعية الخاصة بحضور المرأة على شبكات التواصل الاجتماعي، ومساعدتها على الانخراط في هذا العالم الافتراضي، وذلك خلال إطلاق ورش عمل وآليات معرفية لتنمية وعيها الفكري والثقافي.
الارتقاء بالمرأة فكريا وثقافيا هو سلاحها مقابل ذئاب بشرية ماتت ضمائرهم وأصبحوا أشد غدرا وشراسة من حيوانات الغابة المفترسة، يتحينون الفرصة للانقضاض عليها وإخضاعها بصورة أو أخرى لسلطتهم وجرها لمستنقعات الفساد والرذيلة.