بحسب علمي القليل لا أعرف أن هناك دولة أوجدت هيئة خاصة للترفيه، ربما لوجود الترفيه عندها في سياقاته الطبيعية ضمن الاحتياج البشري.
كل الأوامر الملكية من تعيينات وإعفاءات والدمج والفصل لبعض الوزارات والهيئات هو من باب إعادة الهيكلة وتحوير أو تجديد الأهداف وهو ما ينسجم مع التحول وحركة التغيير التي تعيشها المملكة راهنا.
لكن إنشاء هيئة الترفيه هو الجديد والمختلف كلياً عن كل ما سبق، ولنكن على قدر من الصراحة والشفافية في فهمنا وتعاطينا مع هذا التحول الاجتماعي المهم، فقد مررنا بفترة طويلة من معاقبة أنفسنا وقسرها على التجهم، بعد أن رسمنا حول أنفسنا دائرة عريضة من العيب، والتي تحولت مع مرور الزمن إلى حفرة عميقة من المحظورات الاجتماعية، وقد رجحت كفة الترهيب وضمرت كفة الترغيب، وهذا بدوره أوجد لدينا - نحن السعوديين - حالة من الفصام في شخصياتنا، وهكذا صار أحدنا سعودياً في الداخل وإنساناً في الخارج (والخارج هنا هو كل ما هو خارج حدودنا)، يتساوى في ذلك الخارج النامي أو المتقدم والعربي والخليجي.
لقد أصبحنا حالة فريدة لا يماثلنا أي مجتمع آخر، والأغرب في حالتنا هو حجم تأثيرنا الذي امتد ليؤثر على كل وافد يأتي للعمل عندنا، فكيفما كانت جنسيته فإنه مضطر للدخول في دائرتنا المسيجة ويتضح حجم ازدواجيتنا في كوننا ننسلخ عن طبيعتنا كلما سافرنا، بحيث نمارس البهجة وشيئاً من التبسط في الهواء الطلق وجميعنا نشترك في هذه الممارسات بكافة أطيافنا (ملتزمين أو ليبراليين)، وقد تكون هناك بعض الفروقات الطفيفة بين حجم ما نتخلى عنه وما نبقي عليه، لكننا نعود في الداخل متماثلين كأسنان المشط، على أن هذا التماثل يتم اختراقه في الخفاء.
لكن عليّ أن أوضح أنني لا أقصد من البهجة في الخارج ما قد يتعارض مع الدين، لكن الأكيد أن حجم تدفقنا للخارج في كل إجازة طالت أو قصرت فيه تأكيد على أن مدننا صارت طاردة أو أنها صارت مدناً وظيفية بحيث يتم تأجيل أفراحنا إلى أقرب إجازة، وفي أقرب مرمى قدم من حولنا. أرجو ألا يفهم كلامي هذا خارج مقاصده السوية وأن نبدأ في دفن حفرة العيب التي عمقناها كثيراً، وأن نجتمع، التقليديين منا والعصريين، على كلمة سواء لتعريف مناطات الترفيه عندنا لكي نجعل "سمننا في دقيقنا" - كما يقول المثل - ونبذل أموالنا في مدننا بعد أن نفتح فيها نوافذ للبهجة وللترفيه البريء، وأن نستثمر في مدننا التي تتوافر على مؤهلات عديدة للسياحة سواء في مدننا الساحلية أو مصايفنا الباردة أو في متاحفنا الطبيعية وآثارنا التاريخية، ولنجعل الترفيه ممارسة إنسانية في وضح النهار وتحت إشراف وضبط القوانين التي تحكم السلوكيات وتمنع التعديات الأخلاقية.