سيبقى صوت بكاء هذه المرأة جرحاً في الأذن وألماً في الضمير حتى يندمل الأسى لقصة جديدة. هي تبكي 17 طفلاً يتيماً يتيماً يتيماً، وسأكتب مفردة – اليتامى – حتى نهاية الحبر. سبعة عشر طفلاً أبصروا – ظلام – الحياة بلا أبوين وحسبك كم في هذه الحياة من الخطايا ثم حسبك أن الضحية يدفع ثمن الخطيئة. سيبقى صوت البكاء لهذه المرأة المحسنة شيئاً من الذاكرة. سبعة عشر طفلاً يتيماً يشحذونكم ملابس الشتاء، لا كسوة الأعياد ولا ثياب الفرح. يشحذونكم أن تكونوا – جامعة – البر حين قست قلوب جمعية البر. هم لا يتسولون زجاجة العطر: هم يبحثون عن بطانية المساء وعن – بيجامة – النوم وعن دفء الصباح في زمهرير هذه المدينة. صار من المخجل، بل من العيب بمكان، أيها المجتمع الوحشي المخيف أن يتولى وافد شهم فقير كريم، ومن حسابه البائس ومن صلب مرتبه الهش طبخ طعامهم اليومي من – الأرز – الجاف الحاف فيما جمعية البر مشغولة بالاستثمار وتنمية الموارد. فيما هي مشغولة بحساب الإيراد قبل المصروف، وفيما الإخوة أصحاب السعادة من مجلس إدارتها سيهبون اليوم – هجمة عنترية – على هذا المقال، لا لأنه يدغدغ القصة المؤلمة لأطفال الظروف الخاصة فتلك آخر اهتماماتهم، بل لأنهم سيظنون أن المقال سيقصف بعض الموارد وسيقضم بعض التبرعات.
هذه المجتمعات والجمعيات التي لا تنهض لإنقاذ أطفال من البرد والجوع لا تستحق كل ما في كلمة الجذر من – جمع – كل معاني هذه الحروف الوردية الكاذبة. مسؤول المدرسة أو مدرسها الذي ينهش جلد طفل لأنه لم يكتب واجب الدرس لا يستحقان لفظ كرامة الإنسان. هذا المعلم الذي – يعيِّر – ذلك الطفل بأنه – ابن حرام – لا يعرف أن الحرام المحرم هو تلك – الكلمة – القاتلة الجارحة حين تقال في الفصل لبريء أمام بقية الأطفال. هذا التوحش الإنساني المخيف يثبت أننا جميعاً شركاء بنسب متفاوتة في هذه الجريمة. هؤلاء الأطفال لا يبحثون عن المستحيل المستحيل في دفء أمومة أو رعاية أبوة، بل عن مجرد كسوة برد وحسبك أن يختزل طفل بريء كل أحلام حياته في قطعة قماش أو في وجبة ساخنة. حاسبوني على كل كلمة قيلت بعاليه: اجلدوني بالمادي المحسوس على كل جملة كتبت ولكن: أنقذوا هؤلاء الأطفال من الجوع والبرد، وأنقذوا ضمائركم من عذابها إن بقي في الضمير من حياة قبل أن يتحول الضمير إلى جمعية بر.