يستطيع الكاتب هذا الصباح أن يعيد بالضبط ذات ألفاظ وفكرة مقاله القديم ليلة صدمة العالم بقبول المجتمع الأميركي تنصيب باراك "حسين" أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. عمدة لندن الجديد، صادق خان، أحدث ذات الصدمة وإن في دائرة محدودة أقل تأثيراً وأهمية. ومع هذا تبقى لندن أم المدن الأوروبية وثاني مدن العالم استقطاباً وأهمية وألقاً بعد نيويورك. هل فاز هذا المهاجر الباكستاني لأنه اشتغل على قواعده المهنية والعلمية الخاصة فحظي بقبول شرائح المجتمع اللندني، أم أنه فاز لأن الجالية المسلمة اللندنية اندفعت بكثافة للتصويت لهذا المرشح؟ وأياً كان جواب أحد التساؤلين السابقين فالأمر برمته ظاهرة إيجابية. التقرير التلفزيوني الذي عملته قناة بريطانية يشير إلى الطوابير الطويلة نحو صناديق الاقتراع في شرق لندن، حيث كثافة الجالية الإسلامية، وهو يشير ضمنياً إلى فوز المرشح المسلم بسبب هذه الكثافة. ومن وجهة نظري، هذا شيء ملفت ومقبول لأننا طالما دعوناهم إلى الاندماج والتعايش وإلى الانخراط في تشكيل وجه الحياة السياسية في البلدان الديموقراطية المهاجرين إليها.
صادق خان، مثلاً، يمثل الوجه النقيض لتلك العصابة الإرهابية التي ضربت مترو لندن في عام 2006، وهم للغرابة أبناء مهاجرين من نفس أصوله ومجتمعه. وبالطبع قلت أكثر من مرة في تحليل ظواهر الإرهاب في المدن الأوروبية إننا أمام أجيال جديدة من أبناء المهاجرين القدامى لم تستطع أن تنافس العقل الأوروبي المتطور، فوجدت نفسها على الهامش في ضواحي هذه المدن. ولا زلت عند رأيي الذي آمنت به إما بالقراءة والتحليل أو بالمعايشة والمشاهدة. ولكنني لن أبالغ فأقول إن صادق خان يمثل اختراقاً لمثل هذا التحليل، فهو يبقى حالة فردية خاصة مثله مثل باراك أوباما، فهما أبداً وعلى الإطلاق لا يمثلان سلوك العقل الجمعي لأبناء المهاجرين إلى الغرب. أمام هذه الجاليات مشوار طويل جداً للتخلص من كثير من الأمراض الرهابية التي علقت اليوم للأسف الشديد بأبناء الجيلين الخامس والسادس من صلب المهاجرين، وفي تشخيص هذه الأمراض هناك أبحاث ومقالات هائلة وكثيفة. النهاية: كل ما أفرزه فوز صادق خان ليس إلا إشارة تغيير لافتة في بنية المجتمع البريطاني الأبيض المحافظ جداً ثم يقبل بمهاجر لمنصب عمدة المدينة الرمز. هذا ما يجب أن تنتبه له الجاليات المهاجرة وتبني عليه بشراكة وإيجابية.