يُحكى أن رئيسا أمر بوضع وعاء ضخم محكم الغطاء وفي أعلاه فتحة صغيرة، وطلب من الرعية المشاركة بسكب ما يجودون به من الحليب ليتم توزيعه على الفقراء.
بعد امتلاء الوعاء أمر بفتحه ليتفاجأ الجميع بأن الموجود كان ماءً فقط. جميع السكان اعتمدوا على بعضهم، وتوقع كل فرد منهم أن الآخرين سيحضرون الحليب ولن يعرف أحد عن لتر الماء الذي وضعه هو في إناء بهذا الحجم.
أراد الرئيس من خلال هذه القصة إيصال رسائل هادفة لمجتمعه.
من ضمن هذه الرسائل أن "المشاركة المجتمعية" مسؤولية الجميع، فالكل يستطيع المشاركة ولو بجزء من لتر حليب.
الرسالة الأخرى مفادها أن هناك أشخاصا يعتقدون أن المسؤولية لا تشملهم، وأن عدم مشاركتهم مع مجتمعهم لن يؤثر ولن يعلم به أحد، لأن غيره سيكفيه المؤونة، فإن نجح المجتمع وفتح الله عليه وتطور كان موقفه: (فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم)، وإن كانت الأخرى قال: (كنت متوقعا الفشل، ولهذا ما شاركت). هؤلاء هم من يُسمون بـ"الركاب بالمجان"، وهم عالة على كل المجتمعات.
المصيبة حين يكون السواد الأعظم من سكان البلد من هذه العينة كما في القصة السابقة.
free ridres أو الركاب بالمجان مصطلح ساخر وشائع في المجتمع الغربي وله استخدامات عديدة في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي أيضا.
ذاعت هذه العبارة مؤخراً عبر الرئيس الأميركي أوباما في لقائه المطول مع مجلة "ذا أتلنتك" والموصوم بـ"عقيدة أوباما". السيد الرئيس نعت دول الخليج العربي بـ"الركاب المجانيون" لأنهم يريدون أن تقوم أميركا بالحرب نيابة عنهم لتنظيف منطقة الشرق الأوسط، وفق زعمه.
والصحيح أن أميركا هي "free riders" لأنها هي المتسبب في قضايا المنطقة وتريد من دول الخليج أن تنظف الركام الذي خلفته هي نفسها في أعقاب ما فعلته في العراق، وخروج قواتها تاركة الساحة تشتعل بالطائفية والإرهاب.
تريد إدارة أوباما أيضاً من دول الخليج أن تتحمل وحدها مسؤولية التخاذل الأميركي في قضية سورية.
على كل حال؛ فـ"الركاب بالمجان" لا يقتصر شأنهم على المجال السياسي والاقتصادي بل يحدث أيضاً على مستوى الأفراد الذين يطلبون تحقيق مصالحهم بجهد غيرهم.
وأقرب مثال على هذا هو قضية التحول الوطني الذي نعيش مرحلته الآن. هذه الإستراتيجية الوطنية رحلة للمستقبل تحتاج للمواطن الشريك وليس "الراكب بالمجان".
من اليوم الأول الذي أعلنت فيها هذه النقلة الوطنية يجب أن يعلم المواطن أنه شريك في هذه الرحلة التي تقوم على تحقيق مصالحه الشخصية ومصالح أبنائه وأحفاده، وبالتالي هو يتحمل مسؤوليته المشتركة ويتخلى عن الأنانية المقيتة التي لا مكان لها اليوم. والأهم من هذا هو تغذية عقول أبنائه بأهمية الدور الفردي في التحول الوطني للاستعداد لمرحلة ما بعد النفط التي تقوم على الإنتاج الشخصي، وليس الإنتاج النفطي، تعتمد على التنقيب عن مكامن الحقول البشرية في طاقة شباب الوطن عوضاً عن الحقول النفطية. لهذا عليهم دور مهم في التوجه للتخصصات الهندسية والفنية بدلاً من المكتبية، نريد عقولا تقدم للوطن ما يحتاجه للمساهمة في التحول لوطن عصري غير تقليدي.
الرؤية الوطنية لن يكتب لها النجاح إلا بالشفافية والوضوح، كما أشار ولي ولي العهد.
لم يُبد الأمير المطالبة بالشفافية فحسب، بل مارسها على الشاشة وأمام الملأ أثناء نقد وزارته (الدفاع) في قضية الهدر المالي والاهتمام بالمظاهر الشكلية، وضرب سموه مثلاً في مقارنة قاعدة عسكرية سعودية وقاعدة عسكرية أميركية. التحول نحو الشفافية من أكبر قيادات الوطن، يترتب عليه مشاركة المواطن ليكون عيناً رقيبة على أدائه هو شخصياً ونزاهته وسلوكه وسلوك أفراد أسرته، وعيناً أخرى على الإدارات والمؤسسات العامة من حيث الأداء والنزاهة أيضاً، ليتم بإذن الله النجاح لهذه الرؤية، لتنتقل بلادنا لمصاف الدول المنتجة الراقية بمشاركة أبنائها الفاعلين وليس "المتفرجين بالمجان".