مقتل آخر طبيب أطفال في حلب، هذا آخر خبر لسورية قرأته على الشريط الإخباري لقناة العربية قبل أن أكتب هذا المقال بقليل. في الوقت الذي تتعرض فيه حلب لقصف عنيف، وتفجير متواصل، وارتكاب بشار جرائم حرب في حلب، كان المبعوث الصيني الخاص بسورية والسفير الصيني السابق بطهران السيد شيشياو يان في جولة سريعة لزيارة السعودية وسورية وإيران وروسيا، مصرحا أكثر من مرة بأن الصين تدعو إلى إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية بشرط عدم التدخل في الشؤون السورية الداخلية، ومدعيا أن هذا سعي دبلوماسي صيني لإيجاد حل سلمي للصراع السوري، ويؤكد بأن مصير سورية يجب أن يقرره الشعب السوري، وشدد بأن الأزمة السورية شأن داخلي لا يجب التدخل فيه، وقد قيل في المثل العربي القديم: "غاب حولين وجاء بخفي حنين"، ولا أعلم أين هو الشعب الذي يستطيع أن يقرر مصيره، وهو يقع تحت النيران والصواريخ والبراميل المتفجرة، وهدم المستشفيات على المرضى، وقتل الأطباء، وتهجير نصف الشعب، وحصارهم، وتجويعهم، وارتكاب أبشع جرائم الحرب في حقهم!
يتجاهل المبعوث الصيني أثناء تصريحاته المستفزة أن سورية بلد منكوب يحتاج إلى تدخل دولي لمعالجة أزمته، وكيف لا يكون بلدا منكوبا وقد ذهب 11.5 % من الشعب السوري ضحية للحرب القائمة منذ 5 سنوات حسب إحصائيات المركز السوري للأبحاث السياسية، الذي قدر عدد الضحايا بـ 470 ألفا ما بين جريح وقتيل، و70 ألفا منهم مات بسبب عدم توفر الرعاية الطبية للمصابين في الحرب، والبعض منهم مات بسبب الجوع، وهاجر
45 % من الشعب السوري إلى الخارج جراء الحرب، نزح منهم داخل سورية أكثر من 7 ملايين سوري، ومليونان ونصف المليون استقبلتهم السعودية من السوريين منذ اندلاع الحرب، و249245 لاجئا في العراق، وأكثر من مليون ومائة ألف في لبنان، و132ألفا في مصر و348.540 في دول الاتحاد الأوروبي يسعون للحصول على لجوء سياسي، ووفقا لدراسة أجراها مركز فرونتييير إيكونوميكس الأسترالي للاستشارات ومؤسسة ورلد فيجن الخيرية أن الخسائر الاقتصادية في سورية 689 مليار دولار إذا توقفت الحرب هذا العام، وتقدر بـ1.3 تريليون دولار إذا استمرت الحرب حتى العام 2020 وهذه الأرقام تشمل خسائر فترة التعافي.
تنتهج الصين دائما سياسة الحياد والحوار الدبلوماسي في معالجة القضايا الشائكة والأزمات السياسية، ولكن لا أفهم كيف تتشبث الصين بهذه السياسة حتى مع شخص ينتهج سياسة الأرض المحروقة في حلب من أجل البقاء في كرسي الرئاسة الذي لا يريد أغلب الشعب السوري أن يبقى فيه، ولا ترمش له عين وهو يقصف مستشفيات مليئة بالمرضى في حلب. الحياد في الأصل هو ألا يكون هناك انحياز في أمر يحمل خلافا بين شخصين أو أكثر، وعدم الميل في المواقف إلى طرف أكثر من آخر وخاصة في نزاع أو حرب، هنا لو تفحصنا موقف المبعوث الصيني الخاص بقضية سورية فإننا نجده يطالب المجتمع الدولي بعدم التدخل في الشأن السوري، وفي ذات الوقت يشيد بالتدخل الروسي في سورية، الذي يدعم جيش النظام بغطاء جوي متجها إلى حلب، وهذا انحياز وليس حيادا، وتجده يتابع بشار وجيشه الطاغي وهو يرتكب أكبر مجزرة في التاريخ الحديث بحق الشعب السوري، ويدعي أنه محايد ولا يؤكد على أهمية التدخل العالمي لمعالجة الأزمة السورية، بل يصرح بشكل متكرر في كل زياراته للدول بأنه يجب عدم التدخل في الأزمة السورية، متجاهلا كل ضحايا الحرب الأبرياء، وكل القضايا الإنسانية التي أصبح الصمت عنها وادعاء الحياد إزاءها عارا عالميا.
على انقاض حلب أكتب للسيد –شيشياو- ما قاله ديزموند: "إذا كنت محايدا في حالات الظلم فقد اخترت أن تكون بجانب الظالم".