قسماً يا حلب سنهشتق مأساتك، وسنغرد في كل هاشتاق عن معاناتك حتى يصل للترند، وسنملأ كل مواقع التواصل بالصور ومقاطع الفيديو والصوتيات، ولن نبالي بمراعاة مشاعر المرهفين "تبا للمرهفين" لا شيء أهم اليوم من تبادل ما يحدث على أرضك عن طريق "الواتس آب" كرسائل نصية مقفاة ومنتهية بأدعية خجولة نعيد تكرارها منذ عقود وإلى اليوم لم ننتزع بها مسمارا دقه الأعداء على رؤوسنا.
قسما يا حلب لأجلك سنتبادل فيما بيننا أنواع الشتائم وأصناف التهم، لأجلك سنخون بعضنا البعض ونجيش بعضنا على بعض، سنتناحر وسنجري الكثير من النقاشات المشخصنة، فهذا موسم التراشق، بين قائل: لو لم يحلق هؤلاء لحاهم، ولم يسبل أولئك ثيابهم، لما استأسد الأعداء علينا. وقائلاً: بل ما عادت لنا هيبة إلا من بعد ما أصبحت كل القضية لحية وجلباب.. ويستمر التناطح، سيبرئ كل حزب ذاته وأتباعه ويرمي باللائمة على الآخرين، كأنه المعلق وحده في الهواء بينما الآخرون في القاع رغم أن نبينا قد قالها: لكنكم غثاء!
قسما يا حلب سنقيم لأجلك برامج حوارية، يتباكى فيها المذيع مرة ثم يشتم ضيوفه ألف مرة لضمان زيادة عدد المتابعين الجاذبين للإعلان، فإن لم تجد القنوات التلفزيونية ذلك الإقبال، فلا تيأسوا يا أهلنا في حلب فنحن أصبحنا بارعين في رفع كل البرامج على اليوتيوب حتى نعود لها في أوقات الفراغ كي نغضب ونزمجر من خلف الشاشات بنفس المقدار الذي نتأوه فيه ونحن نتتبع تمايل الخصور.
قسما يا حلب لولا تقلبات المناخ ومشاكل الاحتباس الحراري لتوجه العرب والمسلمون لأرضك دفاعا عن المستضعفين، لكن الأوزون انخرم ولا ندري أتمطر السماء على أرضك حمما أم سيستمر الجفاف في ضمائرنا؟! آه فقط لو أن بشار وإيران وجحافلها أغاروا عليك في الخريف لبعثنا لك جنودا يتساقطون مع الورق.
لقد قالها "مصطفى محمود" قبل أكثر من عقدين: المذابح التي تبدو الآن بعيدة عبر البحر في آسيا والتي تدور متنقلة من البوسنة والهرسك إلى بورما إلى طاجيكستان إلى سيريلانكا إلى الهند، سوف تأتي قريبا إلى ديارنا نحن. وها قد حدث فعلا، فها نحن نرتدي اليوم ثيابا ملطخة بآثار خذلان الأمس وسنورث النزيف إلى أبناء الغد.
الكل أمام "هلوكوست" حلب في وضعية السكون، والآخرون باسم الحسين وعيسى وموسى ينشرون الخراب، لكن لا يهم، فالمهم الآن أن نطالب متحدين بعودة برنامج Arab Idol فقد تأخر هذه المرة، وهذا التأخر سببه أن لـ"الملكة" سطوة كما يشاع وليس لأن الإعلام استيقظ أخيراً من غفلته، ثم إن للتافهين والمرهفين أذواقا على الإعلام أن يشبعها باستمرار، فلا يصح به أن يعرض الدماء والقتل والتفجير طيلة الوقت، بل لا يصح به أن يتبنى قضية تحفز الوعي فينا أبداً، فنحن من وجهة نظر إعلامية لا نستحق أن نعي على أي حال.
فما الحل؟! يا صاحبي لا حل، بل لا تحاول أن تعمل عقلك لتفهم، فالوضع برمته غير قابل للفهم. حلب تحترق، فليكن إذاً، الضمير العالمي يحتضر، فليحتضر إذاً، ولنحتضر معه فما نحن إلا حزمة في ضمير عالم يبكي على قط تم دهسه في الشارع، وأمام مشهد مدينة تحترق يرفع الجميع أكفهم لتلقف القط!
لا حل يا صاحبي ولا تحاول أن تفهم، فرغم كون الصمت هو المسؤول الأول عن كل هذا التطرف الذي تقوم به "داعش والميليشيات الشيعية" لا يزال الصمت سيد الموقف، لا يزال الجميع متمسكاً بفضيلة الصمت، كأنهم لم يرتووا من الدماء بعد، فيستفزون التطرف في كل اتجاه لتخرج لنا نسخة من التطرف والدموية تجعلنا نترحم على كل ما شهدناه حتى الآن.