لم يستطع المجتمع العربي والمجتمع السعودي على الأخص، إلا أن يجد نفسه ملزما بالمشاركة والحسرة على خيبات الخبر الذي تم تداوله بشراهة منقطعة النظير عن الفتاة العربية والمقيمة في جدة، وتبلغ من العمر 22 عاما واستطاعت أن ترث 67 مليون ريال سعودي، بعد أن أقرت المحكمة صحة زواجها من الثري السعودي، والذي لم يطل به العمر ليتوفى جراء جلطة قلبية في عش الزوجية الجديد، بعد شهر واحد فقط من زواجه من الفتاة. كالعادة لم يكن هذا هو مقالي الذي أنوي كتابته، لكن التعليقات التي حملها هاتفي الجوال، جعلتني أقف أمام انبهار الشباب من الجنسين أمام هذه القصة، حتى وصل الحال لأن يتم تصوير مقاطع لعدد من الشبان من مختلف الدول العربية، وهم يطلبون التقدم لطلب يد الفتاة المليونيرة، وبالتأكيد الفيديو لم يكن يخلو من الطرافة التي تعمد البعض إظهارها، ولو أنها لربما تكون هي الحقيقة المرة التي يمكن أن نفكر به مليّاً، هل هذا هو مفهوم التسول الإلكتروني الجديد؟

كنت قبل يوم واحد فقط أتابع أحد المسلسلات العربية، وجاءت حلقة بعنوان مهرجان التسول ولفتت انتباهي بشدة، حيث سلطت الضوء على زوجين يعانيان ظروفا مادية صعبة، وفجأة تحولت حياتهما إلى مجرد سلسلة من الشغف بالمال، لدرجة أنهما بدأ يتسولان الآخرين بطريقة مختلفة، وذلك نتيجة اشتراكهما في أحد المواقع المشبوهة للكسب المادي السريع، والذي يتطلب منك إشراك أعداد كبيرة لكي يمكنك أن تحصل على مبالغ مالية مضاعفة، الحلقة تنتمي إلى الواقعية السحرية بشكل جوهري، تمت صياغة السيناريست بطريقة درامية ملفتة، ربما ستشعر لوهلة بأن السيناريست عمرو محمود ياسين بدا خياليا أكثر من اللازم، ولكن الحقيقة تبدو غير ذلك، لأنك ستدرك أن ما أشار إليه يشبه واقعنا اليوم، لتشعر فجأة بأنك أقرب إلى أن تهوي من أعلى برج في مدينتك، وأثناء سقوطك المدوي تكتشف بأنه لم يعد هناك مجال لأن تعيد تغيير حساباتك وأطروحاتك الفكرية والمستقبلية، وأن عليك أن تواجه العالم الشرس الذي ساعدته يوما لكي يكسب من خلالك، وتنكر لك فور أن توقفت الأموال عن التدفق، المال لديه سلطة كبيرة تفوق ما يمكن للمرء أن يتخيله أو يتصوره، وهو أشد فتكا من السحر، حيث يمتلك المال إغواء يرغمك أن تسقط ببشاعة في بئر ظلماء، وفي صحراء بعيدة لا يعبرها أحد من البشر.

تزوجت أميمة ولم يعلم بها أي من المتسولين حتى لو بدا الأمر مجرد ظرف منهم، وانتهى زواجها بعد وفاة الزوج، ليكون لها الحق في أن ترث ما قدره لها الشرع، حتى وإن لم يتسن للمرحوم أن يوثق عقد الزواج، لكن الشرع بدا واضحا في هذه المسألة، واستطاع أن ينصف حق الأرملة الشابة، وذلك بإعطائها نصيبها الشرعي، الأسى هو كيف استطاعت الصحافة أن تصل إلى الخبر وتقوم بنشره، ليتحول حق من حقوق المرأة شرعا إلى مسألة يتم التندر والمشاكسة بها، ويمتلئ هاتفك الجوال بأنواع مختلفة من التعليقات التي تبكي حظها وتحسد حسن حظ الفتاة العربية، ويبدو أن المال بات حلم الفتيات والشبان على حد سواء، فالكل يحلم أن يصبح مكان الأرملة الصغيرة، وأحدهم كتب تغريدة قائلا: "لماذا نسمع دائما بزواج فتاة عادية من ثري، ولم نسمع برجل عادي تزوج من ثرية وورثها"؟!

ثمة تصور بدأ ينتشر سريعا بين الشباب في الفترة الآنية، وهو التصور المادي للحياة، وكأن الحياة الجميلة لا يمكن أن تكون بهذه الصيغة من الجمال إلا حينما تمتلئ حساباتهم بالآلاف أو الملايين من الريالات، تصور غريب يدفع الرجل الخليجي تحديدا لأن يسمح لنفسه بأن تقوم زوجته بالصرف عليه، ودفع العديد من الالتزامات التي يتوجب على الرجل القيام بها، في محاولة لإهاناتها بشكل شخصي، وسلخها من الواقع الذي يتوجب عليه أن يقوم هو بالدور المطلوب منه، سواء تجاهها كزوجة أو تجاه أبنائه، وكأنه بذلك يعاقبها على حريتها في الخروج إلى العمل، وبناء ذاتها بعيدا عن سلطة أي رجل حتى لو كان زوجها ووالد أبنائها.

المفهوم الجديد الآن هو سعي الشباب من الجنسين إلى التسول، من دون وعي منهم بأن ما يقومون به مخالف لأصول الأخلاق العامة. الكل يتسول من بعضهم البعض، سواء الشاب أو الفتاة، الكل يريد أن يكسب رصيدا أكبر من الأموال بأخلاق أو من دون أخلاق، والدليل هو ما نجده من بعض المشاهير في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بحثا عن الغنائم لا أكثر ولا أقل، أو بحثا عن حظ يشبه حظ أميمة!