كانت هناك ثلاثة أحداث خلال هذا الأسبوع عن العلاقات بين دول المجلس وصندوق النقد الدولي: الأول يتعلق بإنشاء مركز الشرق الأوسط للاقتصاد والمال IMF-Middle East Center for Economics and Finance، والثاني هو اللقاء السنوي بين قيادة الصندوق ووزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول المجلس، أما الثالث فهو إعلان الصندوق في واشنطن عن تغييرات جوهرية في حوكمة الصندوق وحصص الدول الأعضاء، ستعرض على قمة العشرين في كوريا في 10 نوفمبر الجاري.

وسأتحدث عن الموضوعين الأولين فقط اليوم، تاركاً الموضوع الثالث إلى أن تتضح الصورة عن آثار هذه التغييرات في إدارة الصندوق. ويجب التنويه بأن مقال اليوم يعتمد على المصادر المنشورة، دون الدخول في تكهنات بشأن المصادر الأخرى.

ومركز الشرق الأوسط الذي أشرت إلى تأسيسه بقرار مشترك بين دولة الكويت وصندوق النقد الدولي، سيسعى لكي يكون منتدى لمناقشة السياسات الاقتصادية والمالية في الدول العربية، والحقيقة أنه آن الأوان لكي تمارس دول المجلس دورها الرائد في هذا المجال، وأن تكون الكويت مقراً لهذا المركز. ومن المهم أن يكون المركز مجالا ًللحوار لا السرد والتلقي، كما كانت عادة صندوق النقد الدولي في الماضي، حيث يفصل قميصاً واحداً لجميع المقاسات والأحجام. وقد علّمت الأزمة المالية العالمية صندوق النقد الدولي بعض التواضع، فهو لم يكن يتوقعها، بل كان بدأ بتسريح عدد كبير من موظفيه قُبيل الأزمة لأنه لم يكن يظن أنه بحاجة إليهم، ثم إنه كان غافلاً عما كان يجري في الاقتصادات المتقدمة، بما فيها ما كان يحدث في واشنطن، حيث مقر الصندوق، مركزاً حينها على الأخطار المحدقة بالاقتصاد العالمي، حسب نظره، من جراء سياسات الصين ودول الفوائض المالية الأخرى.

ونظراً إلى أنه من الصعب التخلص من العادات القديمة، فإن من المهم أن يحرص المسؤولـون عن هذا المركز على أن يتفـادى أخطـاء الماضـي، وأن يعملوا على جعله مكاناً منفتحـاً لجميع الأفكـار، خاصة أن اقتصادات دول المجلس ذات خصائص مميزة لا تشترك في كثير منها مع بقية دول العالم. وهذا موضوع النقطة القادمة.

ففي تقارير صندوق النقد الدولي عن الانتعاش الاقتصادي في دول المجلس، توقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسة 5.9% في عام 2011م، مقارنة بـأقل من 1% ( 0.4%) خلال عام 2009م. وأحد الأسباب لهذه المعدلات المتزايدة من النمو أن الصندوق يتوقع ارتفاع إجمالي إنتاج البترول في دول المجلس من 15.1 مليون برميل يومياً خلال عام 2010م إلى 15.7 مليون برميل خلال عام 2011م. فضلاً عن تحسن في أسعار البترول سينعكس على شكل تحسن في الميزانيات الحكومية، ولذلك يتوقع أن تحقق دول المجلس فوائض في موازناتها، مما سيعطيها مجالاً أوسع لوضع سياسات تحفيزية في حالة كانت هناك حاجة إلى ذلك خلال العام القادم.

ولكن الانتعاش في القطاعات غير النفطية ما زال أقل من مستوياته التاريخية، فلا يتوقع الصندوق أن ينمو القطاع الخاص فوق 4.5% خلال عام 2010 و5% خلال عام 2011، وهي معدلات أقل بكثير مما كان عليه الحال في بداية هذا العقد، حين كان معدل نمو القطاع غير النفطي 6% خلال الفترة (2000-2005) و8% خلال الفترة (2006-2008). ويعزو الصندوق هذا التباطؤ في نمو القطاعات غير النفطية إلى عدم وجود ثقة في مستقبل الاستثمار الخاص، وصعوبات التمويل، وانخفاض معدلات الثروة لدى القطاع الخاص.

ولكن الانتعاش المتوقع خلال عام 2011 يظل رهناً بالطلب العالمي على البترول، وهو الذي يعتمد على استدامة وقوة الانتعاش الاقتصادي العالمي، وهما غير مؤكدين.

ولكن الانتعاش العالمي سلاح ذو حدين لدول المجلس، فهو سيزيد دخلها من البترول، ولكنه قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية. فالتضخم، الذي تجاوز 10% خلال عام 2008 كما نتذكر، فإنه يمكن أن يعود مرة أخرى.

ومع أنه يتفق مع دول المجلس على الحاجة إلى استمرار الإنفاق التحفيزي، حيث عالجت دول المجلس الأزمة من موقع القوة، مما سمح لها بتقديم الدعم المالي الذي كان ضرورياً، وتركت لنفسها درجة من المرونة لتقديم مزيد من الدعم المالي إلى نهاية عام 2011، إلا أنها قد تكون هناك حاجة إلى تخفيف وتيرة الإنفاق، فيما لو ارتفع معدل التضخم.

وبعد عام 2011، أي بعد الخروج من ظروف الأزمة المالية العالمية، فإن هناك حاجة إلى تحسين كفاءة المالية الحكومية واستدامتها، وعلى وجه الخصوص عن طريق إعادة توجيه الإنفاق الحكومي، وترشيد معونات الطاقة، وتنويع مصادر الدخل الحكومي، وكلها سياسات محفوفة بالصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.