منذ الدقائق الأولى لإعلان يوم 25 أبريل موعدا لإعلان رؤية السعودية 2030 الإصلاحية، بدأت جميع أطياف المجتمع تنتظر ذلك اليوم المرتقب بمزيج من التفاؤل والتوجس، وآخرون وضعوا قوائم للتوقعات التي يلتقطونها من بعض الأحداث الحالية أو السابقة، ورفعوا سقفا عاليا من الأمنيات والآمال المنطقية وغير المنطقية.

وعند تمام الانتظار والتلهف وبعد أيام من الترقب أعلن مجلس الوزراء الإثنين الماضي موافقته على ما ورد في خطة "رؤية السعودية 2030" التي أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بتقسيماتها الثلاثة المتضمنة: "اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح"، وكل جزء من هذه الرؤية يستحق الاستفاضة في الحديث والتطلعات والتناول من وجهات نظر متعددة، كما يحدث على مدى الأيام العشرة السابقة. هناك سؤال يرافق كل هذا الزخم والحملة الإعلانية والإعلامية السابقة والمرافقة للرؤية: "هل ستنجح رؤية السعودية 2030 وتتحول من القول إلى الفعل؟".

في اللقاء الأول الذي ظهر فيه الأمير محمد بن سلمان والذي لمسنا فيه قوة واتزان حديثه، وإلمامه بتفاصيل ما يطرح من رؤى وثقة انعكست فألا حسنا على أغلب المشاهدين، في هذا اللقاء أكد أن ذلك الإعلان ما هو إلا رؤية تطرح لخارطة طريق مستقبلية لوطننا الغالي. والرؤى كما نعرف تحتاج للتطبيق على أرض الواقع عملا وتجسيدا لأفعال ملموسة ولو كانت تسير ببطء ما دامت ثابتة وعلى بصيرة ومحققة لما يُراد منها.

هذه الخطط التي رسمتها الرؤية لا تبتعد كثيرا عن آمال وطموحات كنا نسمعها في سنوات سابقة -في الشق الاقتصادي- مع كل خطة خمسية جديدة للدولة تركز على التقليل من الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل وتفعيل القطاع الخاص، وهي أفكار لا تخفى على كبار المسؤولين والوزراء والمديرين التنفيذيين الملمين بالعمل المؤسساتي عن دراسة وخبرة، ولكن لم نكن نراها تنفذ على أرض الواقع لأسباب نجهلها في الأغلب ولكنها لا تبتعد عن غياب الرؤية الواضحة وعن الخلل في آلية التنفيذ، هذا الخلل تسبب في هدر مالي وبشري للكفاءات، خاصة بافتقاد التنظيم والمتابعة والتقييم، وهذا ما ألمح له ولي ولي العهد في حوار سابق مع بلومبيرج، حيث ذكر أن نسبة الهدر نتيجة ضعف الكفاءة في المشاريع تصل إلى 80% وهذه نسبة كبيرة وخطيرة جدا.

جاء تفاعل المجتمع مع هذه الرؤية متفاوتا، وبين طرفي نقيض، فنجد الكثير من المثبطين والمتشائمين في تحقيق ولو جزء من الرؤى التي يطمح لها الوطن خلال الـ15 عاما القادمة، ومن كان يتوقع أحلاما مادية وحلولا معلبة سريعة أو يعقد مقارنات خيالية مع تجارب عالمية مختلفة أخذت وقتها الكافي حتى استوت وقامت على سوقها وانخرط في تحقيقها كافة أفراد المجتمع، ويدعي خيبة الرجاء فيما أعلن. ونجد أيضا المفرط في الثناء حد الخروج عن المعقول والمستساغ فيصبح مديحه لما هو غائب وبعيد وما يحتاج للجد والمثابرة حتى يتحقق نوع من "التطبيل" المنفّر الذي لا يخدم الرؤية بشيء وربما يسيء إليها أكثر. الأساس الذي يقوم عليه أي عمل تنموي يرتكز على ثلاثة عناصر: المدخلات والمعالجة والمخرجات؛ والمدخلات لدينا من خطط وتطلعات وإنفاق ضخمة جدا، تقابلها مخرجات ضعيفة وذلك بسبب المعالجة الرديئة. والمعالجة – وأي مشاريع تنموية وإنسانية- تعتمد على العنصر البشري وكفاءته في الأداء والتنفيذ.

حينما نعترف بأن هناك خللا في التنفيذ وفي الإنجاز ونبدي تخوفنا من أن تضيع الخطط القادمة بسبب تكرار نفس الأخطاء السابقة، فإن هذا الاعتراف والتوجس قد يأخذ بيدنا نحو العامل الأول المحرك لكل هذا (العنصر البشري)، وأن نركز الجهد عليه بالمقام الأول عن طريق محاربة البيروقراطية والفساد بصرامة، وأن نعزز بالأنظمة والقوانين والفرص ثقافة العمل الحرفي واليدوي في النشء حتى نرى العمال من أبناء الوطن يملؤون الطرقات صباحا يرتدون خوذات السلامة و"أفرولات" العمل، متجهين إلى المصانع والمباني والطرقات والمتاجر، يقومون بعملهم فيها دون حرج أو تردد، وهذا المشهد الجميل لن يحدث إلا بتنظيم وتخطيط ومهارة من القيادات الواعية لأهمية التنمية البشرية وانخراط الشباب من الجنسين في أعمال حرفية ومهنية مختلفة بجدية دون ترهل إداري وهدر مالي وبشري.

من الظلم الحكم على أي فكرة أو مشروع قادم قبل الوصول إلى نتائجه، ومع رؤيتنا التي نستبشر بها خيرا لا يكفي أن نكون في صف المتفرجين، سواء من المتوجسين أو المتفائلين. العمود الفقري لأي نجاح اقتصادي واجتماعي يعتمد على "العمال" والأفراد، الذين هم أنا وأنت وكل شخص في المجتمع يوجد الآن أو ممن نهيئ لهم الطريق من أبنائنا ليكونوا نافعين لأنفسهم ومجتمعهم ووطنهم. التنمية البشرية في خارطة رؤية السعودية 2030 هي الخطوة الأولى التي ينبغي أن يضعها الوزراء والمسؤولون والتربويون نصب أعينهم وينطلقون من الإنسان نحو المأمول.