ألم يحدث يوما أن استمعت أو قرأت خبرا ما وشعرت وكأنه سرد أو رواية من جانب واحد، هل شعرت بأن الخبر غير كامل، أو حتى أن هنالك جانبا هاما تم إغفاله أو تجاهله؟ هذا ما يحدث عندما يُستخدم الانحياز في الإعلام! ماذا نعني بالانحياز؟ هو أن يُفضّل موقف معين دون غيره حول موضوع ما، وغالبا ما يرافقه رفض قبول وجهات نظر أخرى؛ أي رؤى وتفسيرات من جانب واحد ممن يفتقر إلى الحياد في تعاطيه مع الحدث أو الخبر. وتحيز الإعلام يظهر حين تدفع وسائل الإعلام وجهة نظر محددة بدلا من تغطية الأخبار بموضوعية، ولا ننسى أن التحيز أيضا يحدث عندما تتجاهل تلك الوسائل جانبا هاما من جوانب الخبر أو الحدث.

يقول مارك توين: "احصل على الحقائق أولا، ثم يمكنك أن تشوه ما يحلو لك"، لو فكرنا بالأمر قليلا لوجدنا أن هنالك من لديه الحقائق لكنه لا يقدمها كما هي، بل كما يريد لها أن تظهر أو لا تظهر! وهنا لا أتهم الجميع، ولكن بما أنه يوجد وجب التوقف والحذر! نحن كقراء ومتابعين للإعلام، بجميع وسائله وأنواعه، علينا أن نكون على وعي تام بكيفية قراءة أو متابعة ما يبث إٍلينا من أخبار أو معلومات، فكثيرا ما نجد أنفسنا في حاجة أن نتخذ قرارات كمجاميع أو كأفراد حول أحداث محلية أو إقليمية أو حتى عالمية، وأحيانا كثيرة ما يخص القوانين العامة أو الخاصة بالمجتمع المحلي... إلخ، لهذا وجب علينا أولا أن تكون لدينا القدرة على تفكيك كل ما يقدم من الحشو الذي يغلف الحقائق لنصل إليها ومن ثم تقييمها قبل اتخاذ القرار، فنحن كما ذكرت في مقالات سابقة نتعرض على مدار الساعة لوابل من الأخبار، ولكن المشكلة تكمن في الوعي الكافي للمعايير الموضوعية التي يجب أن يمتلكها الإعلام، ومن خلال تحديدها في نقاط معينة يمكننا أن نميز بين المصداقية وغير القابل للتصديق، وبين ما يسهم في تقبل الخطاب العام، وما يتسبب في التشويش عليه، وعلى نفس السياق فإن تحديد نقاط تحيز وسائل الإعلام أو الانتهاكات التي تقوم بها، تؤهل القارئ أو المشاهد على التعرف على مواطن الخلل ومن ثم إدراك مدى الضرر الذي يمكن أن يحدث من سوء التغطية الإخبارية متى ما وجدت، وكيف يكون مستعدا على الرد والتفاعل بشكل يحميه من التضليل أو التشويش.

كيف تنتهك الموضوعية؟ ما سأقدمه لكم هو عرض لما وجدته خلال بحثي في موضوع تحيز الإعلام. إن الذي وجدته تقريبا عشرة نقاط تكررت في معظم التقارير التي قرأتها؛ وهي تتمحور حول التحيز من خلال تقديم:

-1 التعريفات المضللة: وهي التلاعب بفكر القراء أو المشاهدين من خلال اللغة؛ يقول جورج أرويل: "إذا كان الفكر يفسد اللغة، فإن اللغة أيضا تفسد الفكر"! أي حين تستخدم كلمات أو مفاهيم معينة بتعريفات هي أقرب لآراء من تعريفات موثقة ومعتمدة من الخبراء، وبتكرارها يتم تقبلها وتبنيها!

-2 التقارير غير المتوازنة: بمعنى تشويه الأخبار من خلال تغطية غير متكافئة؛ مثلا كالتركيز على الخسائر البشرية والمادية في مناطق محددة وإغفال أخرى.

-3 آراء على شكل أخبار: زج ملتو لرأي أو تفسير خلال التغطية للخبر.

-4 انعدام أو خارج سياق الحدث: حجب الإطار المرجعي عن القارئ أو المشاهد حتى يتمكن من فهم الصورة كاملة للحدث، فيأخذه على أنه وحدة وليس جزءا من صورة أكبر.

-5 الحذف أو عدم الإظهار: بمعنى ترك جانب أو تجاهل الحقائق التي تميل إلى دحض مزاعم مدرسة فكرية أو جهة معينة.

-6 الانتقاء من بين المصادر: بمعنى تقديم أكثر من مصدر ولكن الذي يدعم فكرا على فكر آخر رغم توفره؛ يلاحظ ذلك أيضا حين يستخدم الكاتب أو المقدم أو المراسل عبارات مثل: "ويعتقد الخبراء"، "كما يقول المراقبون"، أو "معظم الناس يعتقدون".

-7 انتقاء الخبر: إبراز أخبار أو نتائج دراسات أو قصص عن جهة معينة بينما يتم تجاهل ما يتوافق مع رؤى الجهة الأخرى.

-8 مكان أو توقيت ظهور الخبر: وهنا يظهر تحيز مقرر أو محرر الوسيلة الإعلامية، أين يضع الخبر، في أول صفحة أو شبه مختف في الداخل، في أول التقرير أو آخره؟ القارئ العادي كثيرا ما يركز على قراءة العناوين الرئيسية أو البارزة ويترك جسد المقالة أو التقرير؛ ومن خلالها يحكم أو يكوّن فكرة عامة عن المواضيع قيد الطرح.

-9 التصنيف أو الوصف: بأن يضيف ألقابا أو يذكر المدرسة الفكرية لجهة معينة ويتجاهلها حين يعرض الأخرى؛ مثلا بأن يصف المراسل أو الكاتب المتحدثين أو من أخذت عنهم المعلومة بمفردات تعطيهم مصداقية أمام المتلقي، أو العكس بالنسبة للرأي الآخر يصفهم أو يصنفهم بطريقة تجردهم من المصداقية.

-10 الحلول التي تدعم أجندات معينة: بعد الانتهاء من تقرير معين أو في نهاية إرسالية صحفي أو مقالة معينة، نجد أن ما يقدم من حلول تتناغم أو تتماشى أو تتسق مع أجندات معينة لفريق معين.

أخيرا وليس آخرا لكي نسمح أو نساعد الحقائق على أن تظهر أو أن تتضح، يجب أن نكون إيجابيين في استهلاك وتلقي الأخبار، وهذا لن يتم إلا بالوعي والانتباه لكل ما ذكرت حتى لا نصبح متلقين سلبيين لأجندات الغير؛ يمرر علينا آراء وأفكار نحكم ونتخذ قرارات من خلالها في قضايا قد تكون هامة وحيوية بالنسبة لمجتمعاتنا وأسرنا حتى أنفسنا.