أخيرا أقرت المملكة العربية السعودية رؤيتها الإستراتيجية 2030 التي حظيت باهتمام عالمي بعد أن تم اعتمادها من قبل مجلس الوزراء، وتتكون وثيقة الرؤية من 44 صفحة، وتقوم على أساس كونها رؤية للمستقبل من خلال الحاضر، وتبدأ من المجتمع الحيوي وتنتهي إليه، مرتكزة بشكل عام على مكامن القوة للمملكة والمجتمع السعودي.

وعلى الرغم من احتواء رؤية المملكة العربية السعودية 2030 على العديد من الأهداف الطموحة في مختلف المجالات، إلا أن ما يلفت النظر فيها اشتمالها على دعم الثقافة والترفيه باعتبارهما عنصرين أساسيين من مقومات جودة الحياة، من خلال إشراك المجتمع بشكل مباشر في التنمية وتحقيق السعادة له، فإسعاد المواطن والمقيم جاء على رأس أولويات هذه الرؤية، باعتبار أن السعادة لا تكتمل دون اكتمال الصحة البدنية والنفسية والاجتماعية، في بيئة إيجابية وجاذبة.

وتؤكد الرؤية على أمر مهم جدا، وهو أن واقع الفرص الترفيهية والثقافية المتوافرة حاليا لا يرقى إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، ولا يناسب الوضع الاقتصادي المزدهر للمملكة، وبالإضافة إلى إنشاء المتحف الإسلامي الضخم في الرياض، سوف تتم تنمية الثقافة عموما من خلال دعم جهود المناطق والقطاعين غير الربحي والخاص في إقامة المهرجانات والفعاليات، كما سيتم تفعيل دور الصناديق الحكومية في الإسهام بتأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، وتشجيع المستثمرين السعوديين وغيرهم الاستثمار الثقافي والترفيهي، وسيتم عقد شراكات مع شركات الترفيه العالمية، وتخصيص الأراضي المناسبة لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتحف وفنون وغيرها، كما سيتم دعم الموهوبين من الكتّاب والمؤلفين والمخرجين، والعمل على دعم إيجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوعة تناسب جميع الأذواق والفئات، ورغم كل ذلك فإن دور هذه المشروعات لن يقتصر على الجانب الترفيهي والثقافي، بل سيكون لها دور اقتصادي في توفير العديد من فرص العمل.

وبما أن جودة الحياة تعتمد على مدى وجود مجتمع سعيد في حياته، فإن جوانب السعادة لدى أفراد المجتمع تتجاوز الثقافة والترفية إلى الحياة الصحية، ولذلك ركزت رؤية السعودية 2030 على ضرورة وجود النمط الصحي والمتوازن باعتباره من أهم مقومات الحياة، مؤكدة أن الفرص الموجودة حاليا لممارسة النشاط الرياضي بانتظام لا ترقى إلى التطلعات، ولذلك سيقام مزيد من المرافق والمنشآت الرياضية بالشراكة مع القطاع الخاص ليتمكن الجميع من ممارسة رياضتهم المفضلة في بيئة مثالية، مع تشجيع الرياضات بأنواعها بهدف تحقيق مراتب عالمية متقدمة.

ويرتبط بمسألة تحقيق السعادة تطوير المدن وفق مستوى عالٍ من الأمان والتطور، خاصة أن الأمن هو إحدى السمات المميزة للملكة العربية السعودية، إذ سيتم العمل على استكمال متطلبات المدن واحتياجاتها التنموية بتوفير بيئة متكاملة ذات جودة عالية من مياه وكهرباء ووسائل نقل عامة وطرقات، بالإضافة إلى المساحات المفتوحة والمسطحات الخضراء في المدن نظرا لحاجة الفرد والأسرة إلى النزهة والترفيه، والغاية من ذلك الارتقاء بمستوى جودة الحياة.

وسعيا إلى تحقيق هذه الجودة التزمت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بإطلاق البرنامج الوطني "داعم" الذي سوف يعمل على تحسين جودة الأنشطة الثقافية والرياضية، حيث ستتم زيادة هذه الأنشطة وتنويعها لاستثمار مواهب المواطنين، وتطوير الأنظمة واللوائح للتوسع في إنشاء أندية الهواة والأندية الاجتماعية والثقافية، وتوفير الدعم المالي لها، وإنشاء شبكة وطنية لهذه النوادي، وسيكون هناك 450 ناديا مسجلا للهواة بحلول عام 2020 تقدم الأنشطة الثقافية والفعاليات الترفيهية.

من خلال ما سبق يتضح أننا أمام مشروع نهضوي كبير، يستحق منا كمواطنين كثيرا من الجهد والعمل وتقديم المقترحات التي يؤمل منها أن تسهم بشكل فاعل في تحقيق هذا التحول الثقافي - الاجتماعي الوطني، ولننس "الثقافة الريعية" التي لم نستفد كثيرا منها على مدى الخمسين سنة الماضية على الرغم من الأموال العامة التي ضخت في مختلف الأنشطة، بل إننا اليوم -من خلال هذه الرؤية- نقترب جدا من تحقيق التنوير الثقافي والاجتماعي، عبر مؤسسات المجتمع الفاعلة، وتحقيق الاستثمار الفاعل للثقافة، وهو الأمر الذي دعونا إليه منذ عقد مضى، كما أننا نقترب من أن نمثل قطب الرحى في الثقافة الإنسانية، وهذا هو المفترض أن نكون عليه، لما لدينا من موروث ومخزون ثقافي عريق يحتاج فقط إلى الفرصة لكي نعيد إنتاجه من جديد، لنقدم مشعل النور من جديد إلى وطننا ومجتمعنا أولا، ثم إلى هذا العالم ثانيا.. ولذلك أقول إننا في هذه الرؤية الحكيمة التي طال انتظارها محكومون بالأمل في طريق التحول الثقافي الأكثر شمولا.