بماذا يذكركم هذا الذي أضعه بين قوسين (تصحيح أوضاع المتخلفين عن نظام العمل). قطعا كلنا يتذكر تلك الحملة المباركة التي قامت بها الأجهزة الأمنية لمعالجة (خطر) المتخلفين قبل عامين؛ تلك الحملة المكثفة التي اشتركنا فيها جميعا؛ رجالا ونساء وأطفالا، مواطنين ومقيمين؛ حتى غدا كل واحد منا رجل أمن بلا بدلة وبلا صلاحيات، وصار كل متخلف في مدننا خائفا يترقب.

تلك الحملة التصحيحية كانت لها أهميتها الكبيرة التي استشعرها الجميع طوال مرحلة التنفيذ الفعلي، حتى المتخلفين أنفسهم؛ إذ سلّم بعضهم نفسه طواعية لرجال الأمن، وراح بعضهم يستكتب المواطنين طلبا للكفالة. وكان لتلك الحملة فوائدها الاقتصادية التي لا تنسى، فكثير من المتخلفين باع ممتلكاته بأسعار زهيدة، فصار المواطن يشتري السيارة الجديدة بسعر المستعملة، ويتقبل المحل التجاري النشط بسعر المعطل. وكان لذلك حسناته على المواطن البسيط الذي وجد في الحملة بركة في رزقه فضلا عن بركة الأمن والاستقرار.

المتخلفون أنفسهم بدؤوا يفهمون ويدركون أن لهذا البلد نظاما، وأن زمن استضافتهم محدود بالنظام، وليس لأحدهم أن يتهرب من مسؤوليته حين يتجاوز ذلك النظام. بل إن بعضهم صار يوصي أهله وذويه الراغبين في القدوم للحج أو العمرة بأن يجعلوا موضوع العودة أولوية، فيحجزوا تذاكر العودة قبل القدوم.

كل ذلك منطقي ونظامي، وإن ذهب ضحيته أشخاص ولدوا على هذا التراب ولم يعرفوا في حياتهم وطنا غيره، لأن الجميع يفهم أن المسؤول عن ذلك ليس السلطات السعودية إنما أجداده الذي سبقوه إلى التخلف والتستر، وأن ما حصل من تصحيح لأوضاعهم هو إجراء نظامي، تمارسه كل الدول، وأن المملكة بذلك تمارس حقها، ولا تعتدي على ضيف قدم إليها لحاجة محددة بزمن.

المواطنون والمقيمون أيضا كانوا على قدر كبير من الوعي والمسؤولية طوال فترة التصحيح المكثفة و(المعلنة) عبر وسائل الإعلام، لكنهم فجأة وبدون سابق توقع توقفوا عن ممارسة هذا الوعي؛ لأنهم ما عادوا يدركون الجانب الخفي من تلك الحملة، الذي يقتضي ضرورة المضي بها قدما، لا التوقف في بداية الطريق.

الجميع يعلم أن الجوازات وغيرها من قطاعات الأمن العام ما زالت تمارس ذاك التصحيح بخفاء، لكنهم يحتاجون إلى الإعلان عن ذلك، وإلى الوعي بأن الجهات الأمنية ما زالت تقوم بدور المتابعة للحملة، وأن الضوابط والغرامات، التي سبق أن أعلن عنها أيام الحملة ما تزال سارية، فيكون الإعلان المستمر، من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، ولا تغدو(الحملة) برمتها من باب الذكرى التي تطوى في عالم الذكريات.

في الدول المتقدمة يستمر التصحيح ولا يتوقف، وتقوم به إدارة (الهجرة والجنسية)، لذا يفترض في بلد يستقبل آلاف البشر كل عام، في موسمي الحج والعمرة، أن تقوم على التصحيح جهة مماثلة، تستعين بجهود الجوازات، دون أن تشغل الجوازات عن مسؤولياتها الأخرى.

نحتاج إلى جهة مختصة، بصلاحيات وزارية، تمارس مهام التصحيح والمتابعة وتشكيل فرق الضبط، ونحتاج من تلك الجهة إلى إعلانات مستمرة، تجعل المواطن والمقيم على وعي بالجهود المبذولة لحماية الجميع من خطر المتخلفين، وتجعل المتخلف والراغب في التخلف يراجعان حساباتهما جيدا قبل تداول الفكرة. نحن بحاجة ماسة إلى ذلك دائما وأبدا، لكن حاجتنا اليوم، في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، تصبح أكثر إلحاحا، وهذا ما ننتظره بشغف من وزارة الداخلية.