كل السياسات يجب أن تكون في خدمة الهدف النهائي لها، وهذه قاعدة أساسية، وجدت في رؤية 2030، حيث جاء فيها وبوضوح أن الثقافة والترفيه رافدان مهمان من روافد تطور المجتمع، وأنهما من مقومات جودة الحياة، وأكد الأمير محمد بن سلمان أن الفرص الثقافية والترفيهية الحالية لا تتواءم مع الوضع الاقتصادي المزدهر الذي نعيشه، وسيتم دعمها، وهو إعلان ضمني وصريح بإرادة التغيير على الصعد كافة، خاصة ونحن نسير بشكل متسارع تجاه التحولات الكبرى في التنمية والثقافة نحو بناء وتأسيس تحول اجتماعي ثقافي جديد.

اليوم نجد أنفسنا في مرحلة تقارب كبير بين السياسي والثقافي، ونجد أننا مطالبون بالنظر في عجلة النمو الداخلي للإنسان، وهنا النمو ينبغي أن يكون ثقافيا حركيا وترفيهيا، لا يكتفي بالنمو على المستوى المادي للفرد من معيشة ودخل واقتصاد.

نحن أمام مؤشر واضح يشير ببوصلته إلى ضرورة التغيير والتأسيس لفلسفة ثقافية مغايرة، ولن يتحقق ذلك إلا بصياغة مشروع ثقافي يندرج في قائمته الترفيه بكافة أنشطته من مسرح وسينما وصالونات أدبية ومراكز ثقافية وجمعيات ثقافية غير حكومية، وحراك ثقافي لا يتقاطع بشكل واضح مع الأنماط التقليدية القديمة والمحدودة التي سادت ولا زالت طيلة العقود الماضية.

لا يريد المثقف ولا الإنسان البسيط الذي يرغب في متنفس وثقافة مختلفة أن يجد كيانه ضمن أقلية صغيرة، تسبب فيها غياب البيئة الثقافية المتاحة. لا يريد أن تتسع الهوة بين التقليديين الذين يفرضون نمطهم الفكري وقد حدث بشكل عملي حين تم رفض تعلم الموسيقى في جمعية الثقافة والفنون، عندما وقف النموذج التقليدي المأزوم بالجديد والمختلف وبكل ثقله أمام وجود دور سينما في أكبر وأهم العواصم العربية، الرياض.

إعادة التشكيل والممارسة الثقافية وزيادة مساحة المتاح الثقافي لا شك أنها باتت ضرورة لقيام علاقة جديدة بين الإنسان ومعطيات ثقافته المجتمعية، ولن يتحقق ذلك إلا بالتوقف عن تغذية الأنماط القديمة وممارستها في التعاطي مع الحركة الثقافية، ووقف تداخل الديني بالثقافي وبالسياسي، لأن الفصل بينها مع احترام الحريات العامة قادر على إحداث نقلة نوعية مؤثرة سيحظى بها جيل قادم يعيش كافة وسائل الانفتاح على الآخر وثقافاته.

إن صنع السياسات الثقافية وتجديد سياقاتها التقليدية للدفع بها باتجاه التغيير هو أحد أهم النقاط التي أدرجت في الرؤية القادمة، وستكون كما ينبغي لها من تحقق وفاعلية حين تحظى ببيئة تنفيذية لجعلها واقعاً، وتزويدها بالطرق النظامية التي تكفل الحريات ولا تقيدها، تلك التي تجعل القوانين في خدمة الثقافة وتعزيزها ودعمها وليس العكس، ويتحقق فعلياً حين تفصل حريات الثقافة عن كل ما يبرر ثقافة العنف والتمييز ضد النساء والإنسان وكل ما تكرس له ثقافة الإقصاء على مستوى الأفكار والأشخاص.

التأكيد على أهمية بناء الثقافة الحديثة متطلب مرحلي وأولوية ملحة، وكان من القوة في الرؤية القادمة أن يؤكد عليها كرهان على واقع مختلف للثقافة وروافدها وصناعة امتيازها، والتعاطي مع معطياتها بأهمية لا تقل عن أية مشاريع سياسية أو اجتماعية، فالثقافة امتداد اجتماعي وحضاري لا يمكن تجاوزه.