كان أول سؤال أسأله لكل من شاهد لقاء الأمير محمد بن سلمان مع الزميل القدير تركي الدخيل في العربية ممن قابلته أو هاتفته: ما انطباعك عن اللقاء؟ الكل كان منبهراً ومندهشاً، ليس فقط لأنه أطول حديث شامل بعد المؤتمر الصحفي في قاعدة الملك سلمان الجوية بالرياض قبل أربعة أشهر عند إعلان التحالف الإسلامي العسكري، ولكن لأنهم دهشوا من وضوح الرؤية وتدفق المعلومات والصراحة اللامتناهية والمكاشفة الدقيقة بأرقام حاضرة دقيقة، وحديث منطقي مقنع وعملي يخلو من الإنشائية وتجييش العواطف.

قليل هم الذين حضروا لقاءات الأمير محمد بن سلمان وهو يتحدث سواء في جلسات ورش عمل التحول الوطني أو في لقاءاته مع بعض الإعلاميين والكتاب ورجال الأعمال، كنت حاضراً في كثير منها، وكنت أرى عليهم تعابير الدهشة والاقتناع في حديث مفعم بالثقة ووضوح الرؤية. أحد الأصدقاء كان عائداً للتو من مؤتمر في الخارج وكان متصلاً بالاستراتيجية الوطنية للتحول إلى مجتمع المعرفة التي أطلقت قبل عامين، قال معلقاً على اللقاء إنه متفاجئ ومندهش جداً I am very impressed.

السؤال الثاني الذي طرحته على فئات مختلفة من المجتمع من مختلف الأعمار عن رأيهم في الرؤية السعودية، الكل كان أيضاً مندهشا ومتحمسا وإن كان بعضهم حذراً من سقف الطموح ويتساءل: هل نستطيع جميعاً تحقيقه؟ وأليست الخطة جامحة بعض الشيء؟ وهل هناك حساب للإخفاقات؟ والإجابة عليه كانت واضحة في كلمة الملك سلمان في مجلس الوزراء الذي طلب من المواطنين والمواطنات العمل جميعاً لتحقيق هذه الرؤية، وتصريح ولي العهد الأمير محمد بن نايف بأننا جميعاً شركاء في تنفيذ هذه الرؤية التي سنجني ثمارها خلال السنوات القادمة، بل أعلنها صراحة بدعم عضيده ويده اليمني في تطبيق رؤية السعودية 2030، وطلب الأمير محمد بن سلمان من الجميع العمل على تنفيذها ووعده بتوضيح النجاحات والإخفاقات للمواطنين.

ما دفعني إلى هذين السؤالين عبارتان موجعتان سمعتهما كثيراً في السنوات الماضية وفي أكثر من سياق، الأولى ما عبر عنه أحد كبار المسؤولين الخليجيين في معرض إشفاقه وحبه للسعودية حيث قال: "مشكلتكم في السعودية البطء في اتخاذ القرار، فهناك أمور كثيرة تستحقها السعودية بحكم حجمها ووزنها الإقليمي وتأثيرها الدولي ولكن البطء في الإجراء والروتين القاتل ينعكسان على اتخاذ القرار، وبالتالي تفقد كثيراً من المكاسب التي هي حق لها وتكون الطيور قد طارت بأرزاقها".

العبارة الثانية التي نسمعها في المؤتمرات والملتقيات من بعض المحبين وليسوا الحاسدين أو الحاقدين وإن كانت مغلفة بالسخرية المرة: لا داعي لأن تتعبوا أنفسكم بالمقارنة بالدول التي على شرقكم في الخريطة - ويعنون هونج كونج وسنغافورة وماليزيا والصين واليابان مروراً بأذربيجان وانتهاء بالإمارات وقطر- فقط يمكنكم المقارنة بالغرب الجغرافي في إفريقيا.

المقارنة التي أجريناها قبل أيام بين خطط دول الشرق الجغرافي التي أوصلتهم إلى نتائج رائعة من نمور آسيا وغيرهم بالرؤية السعودية وملامح خطة التحول الوطني والأهداف الرئيسية والبرامج التي تحقق الرؤية تؤكد أنه قد حان الوقت لنتحول من مقارنتنا بالآخرين إلى أن يقارن الآخرون تجربتهم بتجربتنا بدءاً من 2020 وانتهاء بـ2030.

ولكن ما الذي يجعلنا نقول بكل ثقة وبدون أن نتهم بالمبالغة الجوفاء أو التطبيل الفج أو أننا أخذنا مقلبا في أنفسنا؛ بأن المقارنة ستتحول مع الخمسيات الثلاث القادمة؟

في أقل من عامين تغير شعور المواطن السعودي والمواطنة السعودية وتغير معه المزاج العام، حيث كان الانطباع السائد عن السعودي أنه الذي يمشي بجوار الجدار ويبتعد عن المشاكل ويسعى إلى دمدمة الأمور، وأنه يحل مشاكله بدفع المال ليشتري السكوت، ولذلك تجرأ على السعودية تجار الشنطة ومداحو العملة الإعلامية، وأصبح بعض المشاركين في القنوات الفضائية يعايروننا بأننا لا نقوى على مواجهة جيران السوء، وبعد عاصفة الحزم عرف القاصي والداني معنى بيت النابغة الجعدي بأنه لا خير في الحلم إذا لم يصحبه غضب يحمى صفو الحلم من التكدير:

ولا خير في حلم إذا لم تكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

وانكشف جيران السوء بأنهم نمور من ورق.

وفي أقل من خمسة أعوام سنبدأ في جني ثمار التحول الوطني التي لم تأت ضمن أجندة خارجية أو توصيات صندوق النقد الدولي، وإنما وللمرة الأولى شارك فيها كل المستشارين السعوديين من مختلف القطاعات مع الاستعانة بالطبع ببيوت الخبرة العالمية، ووضعت الخطة المقترحة ودخلت في ورش عمل ضمت علماء الشريعة والاقتصاد والاجتماع والمفكرين والمثقفين ورجال الإعلام والصحافة والكتاب، رجالاً ونساءً، وأخذت خلاصة آرائهم إلى القطاعات المختصة، ولم تدخل في بيروقراطية اللجان والمراسلات الحكومية، وإنما تم جمع كل مفاتيح القرار وخبراء القطاعات في مكان واحد لأكثر من شهرين يتناقشون ويتلمسون العقبات ويحلون الصعاب، ليس أمامهم سوى شرط واحد هو أن السماء سقف للطموح الرأسي والمستقبل المشرق حد الطموح الأفقي حتى أثمرت عن الرؤية السعودية التي أقرها مجلس الوزراء.

تحدث الناس كثيراً عن جرأة الرؤية وطموحها، ولكنهم لم يركزوا على واقعيتها وقابليتها للتطبيق لثلاثة أمور، ثانيهما أن الرؤية لم تنزل من الأعلى بمظلة الخطط الأجنبية وإنما شارك فيها جميع الخبراء والمختصين السعوديين، وثالثها: أنها ليست مرتبطة بتوفر سيولة تريليونية أو بتحسن أسعار طويل العمر (البترول)، وأولها: أن الأمير محمد بن سلمان الذي أعد هذه الرؤية بوصفه رئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لم يأت بالتجربة الكورية أو الهولندية أو البريطانية أو التركية ليسعودها ويقدمها، وإنما جاءت الرؤية معجونة بواقع الوضع السعودي، وتجربة الأمير الخاصة التي عايش معها مفاصل المجتمع متخرجاً من جامعة الملك سعود وعاملاً في هيئة الخبراء ثم في إمارة الرياض والهيئة العليا لتطويرها ودارة الملك عبدالعزيز، حاملاً ملامح الرؤية للملك عبدالله قبل عامين، ومستهدياً برؤية الملك سلمان ليعلنها كاملة بعد عام (360 يوماً) من توليه ولياً لولي العهد.