في مقاله الأخير في صحيفة الواشنطن بوست الأميركية، تحدث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عن عدة نقاط حاول خلالها إثبات سلمية إيران ونواياها وبرنامجها النووي، ونظرتها الإيجابية والإنسانية تجاه دول الجوار.
يقول ظريف، إن الشعب الإيراني لم ينس قصف الصواريخ والصور الموحشة للرجال والنساء والأطفال القتلى خلال الحرب العراقية الإيرانية، كما زعم ظريف أن دول المنطقة تطلق تصريحات التنديد والاستنكار في كل مرة تقوم فيها إيران ببعض التجارب الصاروخية أو المناورات العسكرية، على الرغم من أن هذه الدول تنفق أضعاف ما تنفقه إيران على التسليح. ثم اتجه ظريف نحو تلميع بلاده على حساب ما تعيشه المنطقة العربية من صراعات وحروب، ليقول بالحرف الواحد "لحسن حظ إيران أنه في الوقت الذي تنفجر فيه القنابل في الأماكن العامة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتحدث حروبا على أبواب الحدود الإيرانية، توفر إيران أجواء الاستقرار والأمن والسلامة لمواطنيها، وللأشخاص الذين يأتون لزيارتها، ويتعاملون تجاريا معها". ولإثبات حسن نوايا إيران تجاه جيرانها والمنطقة بأسرها يقول ظريف، إن الشعب الإيراني لا يرغب إلا في السلام والتعاون مع الجيران ودول العالم، وإيران منذ أكثر من 200 عام ماضية لم تبدأ حربا، وتعهدت أنها لن تقوم في أي وقت بمثل هذا التصرف الأحمق، وتريد من الآخرين الوعد بمثل هذا الأمر.
وطالب ظريف من نظرائه في العالم، أن يفكروا في ماذا حققت الدبلوماسية بدلا من التهديد والعقوبات وإظهار القوة.
عندما نقرأ هذه الأسطر نقول دون تردد يا لجمال هذا الكلام، ويا لإنسانيته ورحمته واتساع أفقه، فإنه يفتح نوافذ الأمل والسلام والمحبة في العالم بأسره، ولكن، وألف آه من لكن هذه، عندما نتذكر كاتبها والنظام الذي ينتسب إليه نقول: يا لدهاك وروحك الماكرة، ثم قد نلحقها ربما بالقول يالسذاجتك وألف مرة لسذاجة من يصدقك ويتجاهل الحقائق الماثلة على أرض الواقع.
إذا كان الشعب الإيراني لن ينس حرب الثماني سنوات مع العراق، فالشعب العراقي بدوره لن ينسى ذلك أيضا، والأهم ما فعلته إيران وميليشياتها في العراق منذ 2003 وحتى يومنا هذا.
وبعيدا عن العراق، لن تنسى البحرين والكويت واليمن ولبنان والشعب السوري ما فعلته وما تزال إيران من قتل عبر عناصرها وأذرعها، وما تم من تهريب للمتفجرات والأسلحة وزرع الخلايا التجسسية، وما قامت به عناصر الحرس الثوري من اغتيالات وتفجيرات في جميع هذه الدول بلا استثناء.
أما قوله إن إيران تنعم بالأمن والاستقرار في منطقة مضطربة، فهذا حق أريد به باطل، ولكن الأهم، مَن افتعل كل هذه الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار في الدول المحيطة بإيران؟ ولماذا أصبحت إيران في مأمن من كل ذلك على الرغم من شعارات العداء المتبادلة بين طهران والتنظيمات الإرهابية التي تعثو في المنطقة فسادا وكأن أهدافها وإيران واحدة؟
أما على المستوى الداخلي، فهناك اشتباكات مستمرة بين المناضلين البلوش والعرب والأكراد من جانب، وقوات الأمن والحرس الثوري من جانب آخر، وهذه المواجهات جدية قادت بعض مراكز الأبحاث الغربية إلى تصنيف الخطر الأمني في بعض المحافظات الإيرانية بدرجة "عالي"، والخطر السياسي بالمتوسط.
يشير ظريف إلى أن دول الجوار تنفق على التسليح أكثر مما تنفقه إيران، وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن الفرق في أهداف الحصول على الأسلحة وطرق استخدامها. هذه الدول تنفق على التسليح لحماية نفسها لا لتصديره إلى الميليشيات والجماعات المسلحة من اليمن جنوبا إلى لبنان شمالا، ومن طاجيكستان شرقا إلى نيجيريا غربا.
هل قرأت يوما يا معالي الوزير خبرا يتحدث عن إحباط تهريب كميات من الأسلحة الخليجية كانت في طريقها إلى هذه الدولة أو الجماعة أو تلك؟
بالتأكيد لا، ولكن ماذا عن كميات الأسلحة التي يتم اكتشافها بشكل دوري في دول المنطقة ومصدرها إيران؟ يزعم ظريف أيضا "وهذه أسطوانة نسمعها كثيرا من اللوبي الإيراني في الغرب ورددها بعض الساسة هناك"، أن بلاده لم تبدأ حربا ضد أي دولة منذ أكثر من 200 عام، ولكن ما الفرق بين تحريك الجيوش النظامية، وتحريك فرق الموت والمليشيات والجماعات الإرهابية؟
في نهاية المطاف، إيران تدرك جيدا حجم قوتها العسكرية، وجربت ذلك وتأكدت أنها غير قادرة على الانتصار في الحروب التقليدية، لذلك اتجهت إلى الخطة "ب"، وهي حرب العصابات أو ما يسمى بـproxy wars.
فعدم شن إيران حربا نظامية لا يعني براءتها من الأنواع الأخرى من الحروب التي تعد أكثر شراسة وخطورة.
ختاما، يطالب ظريف بالحلول السياسية والدبلوماسية وكل دول العالم تطالب بذلك، ولكن السؤال: هل إيران تبحث عن هذه الحلول بعيدا عن الاستهلاك الإعلامي؟ وهل إيران مستعدة لكف يد شرها عن دول المنطقة، وإيقاف دعمها للمليشيات وتصدير الطائفية، والتوقف عن دعم الشغب والإرهاب في الداخل العربي؟
إن محاولات العزف على المظلومية، والظهور بالبراءة أمام القارئ الغربي لن تجدي نفعا، حتى وإن انخدع بها بعض من يجهل حقيقة ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط. لقد سمعت دول المنطقة هذه التصريحات كثيرا، ولكن لم تر خطوة واحدة على الأرض تجعلها تصدق إيران، بل كلما زادت مثل هذه التصريحات كلما ارتفعت وتيرة التدخلات، ويبدو أنه لا مجال أمام إيران سوى تغيير سلوكها، إذا ما أرادت أن يصدقها العالم، ودول الجوار تحديدا.