بينما يعاني عدد من الدول العربية، جراء مرارات الهزائم التي لحقتها بسبب "الربيع المدمر"، الحرية والاستقلال والانقلاب على الرؤساء الذين تمدد حكمهم من دون وجود أية نتائج تبشر بالخير، ووجود ثورة تكنولوجية كان لا بد للشعب أن يتحرك وأن يثور بطريقته الخاصة إما "الفيسبوكية"، أو عبر نتاج لفعل لا يمكن الصمت أو السكوت عليه، ولكن: لماذا بدت النتائج فاجعة ومؤسفة؟ النتيجة هي أن الشعوب العربية لم تعش يوماً خارج نطاق فكرة أن تكون مسؤولاً وملتزماً عندما تأتي الأحداث لاحقاً بعيداً عن عصى الحكومة، لم يعش العرب الحرية حتى بينهم وبين أنفسهم، لذا، لم يستطيعوا أن يحتالوا على الثورة وأن يقطفوا ثمارها، بل هي من أسهمت في قطف بلادهم من بين أيديهم، ليتحول عدد من البلاد العربية إلى مجرد مرتع للفساد والقتل. حزنت من الداخل على بقية الشعوب، وحصنت بلادي المملكة من كل أذى يمكن أن يطالها، وأنا أشاهد لقاء ولي ولي العهد محمد بن سلمان يظهر في لقاء تاريخي، سجلته قناة العربية، وأدار اللقاء بحرفة الإعلامي الكبير تركي الدخيل، وهو يتحدث بفخر الشباب وطموحاتهم عن المستقبل الحقيقي للمملكة.
شاهدت اللقاء لأكثر من مرة، وحتى وأنا أدون مقالي لا زلت أتابع عبر قناة "اليوتيوب" المؤتمر الصحفي لولي ولي العهد حول إعلان رؤية المملكة 2030، رغم نشوتي العميقة في بغية وصول المملكة إلى المستقبل عبر آفاق عالمية مذهلة ومستقرة، وقلبي يخفق مع كل ما طرحه سمو الأمير من مستقبل ناهض للمملكة، مع شعوري بالعجز والحزن على ما يحدث في الوطن العربي، وأنا متأكدة تمام التأكيد أن عددا كبيرا من الدول العربية يتمنى أن تعيش ما عشناه عشية ظهر الإثنين الماضي، والذي كان نقلة فاصلة وإعلانا حقيقيا عن المستقبل. كنا حريصين على ألا يغزوا مجتمعنا الخليجي منهجية وفكر "الربيع الأحمق"، سعينا بشكل أعمق للالتفاف حول حكامنا، طوقناهم بالحب، فردوا لنا الحب ألف مرة، كنا أكثر وعياً وبلاغة من بعض المجتمعات العربية، التي لم تجد فردة الحذاء الأخرى كي تسير على قدميها متجهة إلى المستقبل القادم. المملكة منذ عاصفة الحزم، وهي تقود مسيرة معلنة عبر منهجية واضحة لا خلاف عليها سياسياً واقتصادياً، ويكفي لأي سعودي أن يفخر بأنه بات منفتحاً أمام مستقبل لم يعد مجهولاً كما كان البعض يعتقد، وهو ما تطرق إليه ولي ولي العهد بأن الشفافية باتت أمراً ملحاً، ولا يمكن أن يكون هناك ما يكن إخفاءه عن المواطن السعودي، والرسالة بدت صريحه للمواطن وللعالم بأننا لن نعود مجرد دولة تعتمد على حجم إنتاجها وصادراتها من النفط، بل توقع محمد بن سلمان أنه في سنة 2020 "نستطيع أن نعيش دون نفط"، لكن لتحقيق هذا الهدف يجب على المجتمع أن يسهم في ذلك، موضحاً بأن علينا اليوم أن نبذل جهداً أكبر لإقناع الجميع، سواء في الجهاز الحكومي أو في السلطات التنفيذية، أو التشريعية، أو القضائية، وأيضاً في صفوف المواطنين ورجال الأعمال، بأن هذا مصيرنا كسعوديين، فلا بد لكل أن يقوم بدوره في هذه الرؤية.
النقاط عديدة التي ركز عليها ولي ولي العهد لمستقبل المملكة، وكنت أتمنى إعطاء أولوية أكبر للتعليم كقائد حاسم إلى جانب البرامج الاقتصادية التي اعتمدتها المملكة في رؤيتها لعام 2030، التعليم هو المؤسس الحقيقي لمستقبل أي دولة، ومن دون وجود تعليم يليق بأفراد المجتمع لا يمكن للرؤية أن تكتمل. لهذا خصص الرئيس الأميركي باراك أوباما جزءاً كبيراً من خطابه عام 2011 عن التعليم، بالرغم من أن أميركا لديها واحد من أفضل الأنظمة التعليمية في العالم، ولكن أوباما تحدث بحماس وبتفاصيل صغيرة عن جو المدرسة الملائم لتحريض الطلاب على الإبداع، وطالب بإعادة الاحترام للمدرسين مستشهداً بالتقاليد الكورية الجنوبية التي تعتبر المدرس باني الأمة، وقال إنهم يجب أن يضحوا من أجل تجهيز جو تعليمي ملائم للأطفال، وأضاف أن كل من أراد أن يسعى لنجاح أميركا يمكن أن يكون معلما، وأشار في خطابة إلى إن المستقبل ليس هدية ولكنه إنجاز، وأنه من خلال التعليم فقط يمكن لأميركا أن تفوز بالمستقبل، ويمكن لها أن تدخل في سباق التنافس الحضاري في هذه العالم المتغير، وقال بأن حتى التعليم المتطور لا يبدو أنه يناسب هذه المرحلة التنافسية الجديدة.
وأظن بأن علينا أن نستوعب ما قاله أوباما رغم اختلافنا الكبير معه سياسيا، لكن تحريضه على أهمية التعليم يجب أن يقودنا نحن كذلك لجعل التعليم بمثل أهمية البرامج الاقتصادية، فنحن لسنا بحاجة إلى إعادة هيكلة لمسؤولي وزارة التعليم، وإنما تغيير وإضافة مواد جديدة للطلاب والطالبات، نريد تعليماً قوياً ومعلمين ومعلمات أكفاء وعلى مستوى علمي وثقافي كبير، وحينما نطبق ذلك، فلن ننظر إلى الدول التي استحالت إلى هوامش بسبب طموحات الشعب في الحرية الكاذبة!