بدا محمرا وجهه، منتفخة أوداجه، ترتعد فرائصه، يحوقل، ويسترجع.
قلت: ما شأنك؟
قال: تم تعطيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونخشى أن ينزل علينا سخط من ربنا.
قلت: على رسلك، لا حاجة للتهويل.
قال: وأين التهويل في كلامي؟
قلت: دعوى تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا حقيقة لها، وهي كدعوى دعاة الفتن والثورات، الذين يزعمون: تعطيل الجهاد.
فقال: لا، الجهاد وتنظيم سراياه بإذن ولي الأمر. وليس ذلك تعطيلا للجهاد.
فقلت: وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ينظمه ولي الأمر، والتنظيم ليس تعطيلا.
فقال: هذا اسمه تنظيم، وحقيقته تعطيل.
فقلت: وكيف عرفت، هل اطلعت على اللوائح المنظمة أو التي صدرت أو ستصدر؟
قال: لا.
قلت: فلم هذا الصخب والضجيج، والصياح والعويل، والتهييج والإثارة؟
قال: العلمانيون والليبراليون فرحوا، ويحاولون إلغاء الهيئة.
فقلت: وهل هذه الدولة يحكمها آل سعود حماة العقيدة منذ ثلاثة قرون، ولا يزالون، وسيظلون إن شاء الله، أم العلمانيون والليبراليون؟ لماذا هذه المزايدة على الدولة، وكأنكم حريصون على الأعراض وحماية الأخلاق، والدولة لا يهمها ذلك، أليس هذا ظلم وحمق وجهل؟
قال: وأنت ماذا ترى؟
فقلت: وماذا ينبني على رأيي؟
الدولة بحمد الله شرعية وأحرص وأعرف مني ومنك بالدين والدنيا، ولديها علماء أجلاء موثوقون، ومنهم الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، والشيخ صالح الفوزان حفظهما الله.
قال: يعني نكون سلبيين، ونسكت! أليس الدين النصيحة؟
قلت: والله السكوت طيب، لمن كفي المؤونة، أما بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت)، هذا التهييج ليس خيرا، فالسكوت خير منه. وأما قولك: أليس الدين النصيحة؟ فالجواب: بلى، الدين النصيحة، لكن النصيحة وفق الدليل الشرعي، وليس الفكر الثوري الحزبي؟
فقال: ونحن ننصح وفق الدليل الشرعي؟
قلت: لا، أنتم تخالفون المنهج الشرعي، أنتم ضيعتم الناس وصاروا فاسدين وهالكين، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول (من قال هلك الناس، فهو أهلكهم). أنتم أشغلتم الناس بمواقع التواصل والإنترنت، بالإثارة، وإشاعة وجود الفواحش هنا وهناك، وربنا يقول (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
قال: نحن نحذر، وإلا كيف يكون إنكار المنكر؟
فقلت: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يكون إنكار المنكر؟ لكنكم تركتم الهدي النبوي، وأقبلتم على الأسلوب الثوري.
فقال: وما هو الهدي النبوي؟
فقلت: هو قوله عليه الصلاة والسلام (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية وليأخذ بيده فإن قبل منه فذاك وإلا فقد أدى ما عليه). وفي صحيح البخاري أنه قيل لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما- ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه). هذا المنهج الشرعي.
فقال: والله ما أردنا إلا الخير، والغيرة على الدين، في كل مكان؟
فقلت: سامحني، إن قلت لك: أنا لا أصدق بهذه المعلومة؟
فقال: ولم؟ هل شققت عن قلبي؟
قلت: معاذ الله، ولا يعلم القلوب إلا علام الغيوب، وإنما أنا أتكلم عن أمر ظاهر للعيان؟
فقال: وما هو الظاهر الذي جعلك تقول ذلك؟
فقلت: أنتم تزعمون الغيرة على الدين في كل مكان؟
قال: نعم.
قلت: قال أحد الرؤساء السابقين المعظمين عندكم (قطع يد السارق ليس حكما شرعيا) فلم تنبسوا ببنت شفة، بل تؤيدونه غاية التأييد، فأين الغيرة على الدين التي تزعمون؟ وآخر من المعظمين عندكم: يصرح بالعلمانية، وعندكم كأنه شيخ الإسلام، فأين الغيرة؟
فقال: هم يحملون مشروعا إسلاميا؟
فقلت: الإسلام ليس شعارات، وحزبيات، الإسلام ما جاء به الله ورسوله. ولذلك أنا أفهم جدا هذه الإثارات في وسائل التواصل، وأعلم أنها سلم لمآرب أخرى، والدين هو -مع الأسف- وسيلة. لكن -والله- أتأسف على العوام والشباب الراكضين مع هذا التهييج، ولا يدرون أن وراء الأكمة ما وراءها؟
فقال: وهل أنت مؤيد بالتضييق على الهيئة؟
فقلت: معاذ الله.. أنا أعتقد أنه لا قوام لبلد مسلم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي أرجوه، بعد إبعاد من لا يصلح للعمل في الهيئات، أن يكون للهيئة من الصلاحيات أضعاف مضاعفة، فهم حراس الفضيلة، وصمام أمان، ووالله إنهم يقومون بدور عظيم لا ينكره إلا من ينكر الشمس في رابعة النهار.
فسيارة الهيئة عند أي سوق أو تجمع يعطي الراحة والطمأنينة والأمان.
وأنا واثق جدا بهذه الدولة المباركة، لكن الذي يحزنني هذه الإثارة والتجمعات والإرجاف الذي لا مبرر له.