لم يكن خبرا عابرا ذلك الذي نشرته "عكاظ" يوم الخميس الماضي؛ عن صدور قرار مدير عام الجوازات القاضي بتعيين 30 مواطنة برتبة جندي، وإلحاقهن بالخدمة العسكرية على ملاك المديرية العامة للجوازات؛ يعملن في الأقسام النسائية ويقدمن خدماتهن لمثيلاتهن؛ لقد كان خبرا مثلجا للصدر؛ ينتشلنا من هذا "الانسحاق الاجتماعي" أمام محاولات ردم ودفن كل فرصة متاحة يمكن أن تهب حظا ورزقا ومكانا للمرأة "الأزمة" في المجتمع السعودي.
لم يكن خبرا عابرا؛ في ظل "الانبطاحية" الاجتماعية أمام معاناة الكثيرات من المواطنات؛ اللاتي تكدسن في وظيفة "معلمة" بقطاع التعليم؛ الذي استوفى حيله في تعينهن رسميات أم بعقود؛ في مدارس القرى التي طفحت بهن؛ والمدارس الخاصة التي تهتك بصحتها ومالها؛ حتى أصاب الوزارة "القولون العصبي" من هؤلاء المتكدسات؛ فما كان إلا أن ينفجر بهن إلى قارعة الطرق البرية؛ فيختطف بعضهن ليتركن مكانا لأخريات يلحقن بذات الطرق التي تخرج لهن "لسانها" في القيظ؛ حاملات أرواحهن على "كف عفريت" مقابل بضعة مئات من الريالات تهبهن رزقا في شح الحياة.
لم يكن هذا الخبرُ عابرا؛ في ظلّ "الكرّ والفر" بين أصحاب التنوير التنموي المخلصين وبين أصحاب العقول الصغيرة التي لا تقيس حاجة المرأة المواطنة إلا بحاجة النساء مثنى وثلاث ورباع في بيوتهم؛ يحاولون بكل سبيل جرّنا للخلف وسط غبار "الاحتراب" على "الوهم" وصناعة الكوابيس كما يقول الأستاذ جمال خاشقجي عادة، بحجة التوجس والشك والريبة؛ يحاولون بكل ما أوتوا من أمراض "الوسواس القهري" غلق كل باب رزق لها؛ يكفيها شر الحاجة ومذلّة السؤال والضعف والانحراف؛ فقط لأنها "جسد" وكأنها "جسد مريخي" من نوع مختلف عن نساء الأرض؛ ولكن لعن الله "الجهل"؛ الذي جعل منا في صحافة وإعلام ومجالس الآخر خارج الحدود "فرنا" طازجا للأخبار الساخرة المضحكة؛ فمن يصدق أننا لليوم "محلك سر" أمام عملها كبائعة في المحلات النسائية؛ ولا نخجل من الاستمرار لسنوات في مناقشة شرعية عملها في بيع ملابسها الداخلية!!! وها نحن نقف أمام عملها "كاشيرة "بفتاوى التحريم.
أعود إلى الخبر أعلى المقال؛ وأقول لم يكن عابرا؛ لأنه يُطمئن القلب بعد هذا القرار أن نرى النساء في مجالات عمل جديدة تستوعب هذا التكدس "المخيف" و"المقلق"؛ بل ونراها في رتب ومجالات عسكرية أخرى؛ جندي أول وعريف ورقيب وملازم؛ وفي إدارات عسكرية أخرى كالشرطة والمباحث؛ فما دامت تعمل في حيزها لخدمة مثيلاتها؛ فما المانع من ذلك!! وكم نحتاج لقرار آخر يعين مواطنات سعوديات" شرطيات" يلحقن بأقسام خاصة بهن في مراكز الشرطة؛ يستقبلن البلاغات من النساء ممن هن ضحايا التعنيف الأسري والتحرش الجنسي وما أكثرهن؛ ومعظمهن يخجلن من تقديم بلاغاتهن لرجال الشرطة بل كثير من رجال الشرطة لا يقبلن ببلاغاتهن إلا بوجود محرم والذي كثيرا ما يكون هو الجاني؛ ولهذا أعتقد أن تعيين شرطيات سعوديات أصبح من الضرورة بمكان خدمة للمرأة وصيانة لها؛ وأتمنى ذلك قريبا؛ عاجلا غير آجل.