ما زالت الحوثية متمسكة بأهداف الانقلاب، ولم يتغير متحول في رؤيتها رغم المتغيرات الجذرية التي أنجزتها عاصفة الحزم وإعادة الأمل، وتتحدث عن العملية السياسية كمقدمة لمناقشة بقية القضايا الأخرى، وتهدف من ذلك إلى تثبيت منجزات إجراءاتها الانقلابية والتحكم بأي حل مستقبلا، وحتى وهي تتحدث عن الشراكة تتعامل معها وكأن هدفها الأساس تثبيت جذور الانقلاب وتسعى إلى شرعنتها من خلال المشاورات في الكويت، ولم تقبل حتى اللحظة الدخول إلى صلب ما وافقت عليه ولا قبول القضايا المهمة التي تنقلنا إلى السلام، وما زالت تحمل في جعبتها الكثير من الإعاقات وستزداد مستقبلا عند تناول تفاصيل هذه القضايا.

وتركز الحوثية على مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لها كما تعتقد لتحقيق أهداف انقلابها وهي لبّ مناوراتها الجديدة، فقد انتقلت من خطابها الدعائي ضد التحالف والتعامل معه باعتباره العدو الأساس، إلى مربع جديد يحاول بناء ثقة مع التحالف العربي وبالذات مع السعودية، وهي تسعى من وراء ذلك إلى تحييد التحالف العربي، بل والسعي إلى كسبه إلى طرفها لإنجاز انقلابها وشرعنته.

 تدير الحوثية مناوراتها بعد فشل ذريع وهزيمة لمخططها العدائية ضد الشعب اليمني وضد العرب، وهذه النقلة هدفها الاعتراف بها كفاعل محوري في اليمن وإضعاف الشرعية والمؤتمر الشعبي العام جناح صالح، هذا التيار الذي أصبح محاصرا ويزداد ضعفه وخنوعه والملاحظ أنه لا يمتلك أي مبادرة في هذه المشاورات ويبدو كتابع وخاضع للمظلة الحوثية وعاجز عن فرض أي مبادرة، ولا يمتلك أي جرأة لوضع أي أطروحات مساندة للسلام رغم إمكانياته وخبرته، وما زال ينتظر أن يفتح له أفق ليتحرك بثقة ويتحرر من الضغوط الحوثية، التي تريد وراثة قوته أو ابتلاعه في مشروعها وتحويله إلى واجهة لشرعنة قبحها الكهنوتي عبره، فهذا التيار أشبه بكوكتيل مصالح وتأثيره على القبيلة ومؤسسات الدولة هو الأقوى مستقبلا مما يجعله قوة حاضنة لتسويق المشروع الحوثي. الحوثية تتحرك بعد أن اقتنعت إيران أن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن السعودية، وأن مخططاتها في توظيف اليمن في معاركها ضد الخليج غير ممكنة إن لم تكن مستحيلة، ويبدو أنها قدمت نصائح جادة لوكيلها المحلي بأن ينتقل من المواجهة العدائية ضد السعودية إلى موقع التقرب إليها وفتح مجال للتواصل وتقديم التنازلات التي تمكنه من الإمساك بزمام أمر اليمن أو على الأقل التحكم بالقرار السياسي للدولة أو تعطيله في حالة تعارضه مع سياسات إيران مستقبلا.

ما زال الطرف الشرعي متماسكا وقويا ويدير المشاورات من أجل السلام بوعي وطني وعربي ناضج ومتحيز كليا لمرجعيات الحل السياسي وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني ومقررات مجلس الأمن، والتي تسعى الحوثية وتيار صالح المؤتمري وبعض الانتهازيات الباحثة عن دور إلى تجاوزها من خلال هذه المشاورات لصالح إنتاج توافق جديد يبني نفسه على المرجعيات بما يؤدي في المحصلة إلى إنهائها.

يمتلك الوفد الشرعي أوراقا كثيرة ولا يمكنه أن يقدم التنازلات التي تطمح إليها الحوثية ويبدو ذلك شبه مستحيل، ويدير المشاورات بمسؤولية والتزام بالأهداف الأساسية لإنهاء الانقلاب وما زال يمتلك أوراقا كثيرة بحاجة إلى إعادة ترتيب حتى تذعن الحوثية التي تراهن على خراب المعبد كورقة قوية بيدها، وهذا الرهان في ظل المتغيرات لن يؤدي إلا إلى رميها إلى هاوية سقوط لا نهوض بعده وهي تدرك ذلك، فالحرب قد تأخذ أبعادا أكثر فاعلية، وقد تحدث متغيرات تعيد ترتيب التحالفات وتوظيف أدوات جديدة في إدارة الحرب، وتدرك الحوثية ذلك وتقنياتها التفاوضية المعتمدة على المدرسة الإيرانية قد تؤدي إلى خسائر كبيرة للحوثية ولمن معها، فالمعركة في اليمن أهدافها واضحة ولا يمكن إعاقتها وهي أقرب للتحقق أكثر من أي وقت مضى سلما أو حربا. ونشير هنا إلى متحول جديد أفقد الانقلاب ورقة ظل يستغلها ويوظفها لإنجاز أهدافه، متمثلا في الحملة العسكرية للحكومة الشرعية على القاعدة وأخواتها كمرتكز أساسي في تأمين المحافظات المحررة، وقوة دفع لوفد الشرعية في الكويت، فالتهدئة العسكرية شمالا مكنت التحالف العربي والجيش الوطني من التركيز على مكافحة الإرهاب وتحققت الأهداف الأساسية للحملة، فقد حررت أبين وحضرموت من القاعدة وستستمر حرب مكافحة الإرهاب حتى تحقق كامل أهدافها، وهذه الحرب مهمة لعدن وتأمينها لتكون مركز الحكم الشرعي لإدارة تحرير بقية المحافظات الشمالية وصولا إلى صنعاء في حالة فشل المشاورات، فخلايا القاعدة في عدن بعد الحملة معزولة وقطعت خطوط الإمداد التي حاولت تأمينها وضربها سيكون سريعا وفاعلا. هذه النقلة الكبيرة في إدارة حرب التحرير أرسلت عدة رسائل للداخل والخارج، لعلّ أهمها أن الدولة هي المسؤول الأول عن محاربة الإرهاب وبإمكاناتها المحدودة مع الإسناد العربي ستتمكن من ضرب كل مرتكزات الفوضى والإرهاب، والأهم أنها سحبت ملفا مهما يتم توظيفه من بعض القوى الغربية وهي تساند أطروحات التمرد والانقلاب.

هذه الحملة من ناحية أخرى أثبتت قوة الشرعية وخياراتها الحاسمة في مواجهة التمرد والإرهاب وساندت مشاورات السلام وأعطتها قوة دفع وتأييدا لرؤية الحكومة الشرعية الملتزمة بالمرجعيات الأساسية المتوافق عليها وهذا يفسر تعامل أطراف الانقلاب مع هذه الحملة الوطنية العربية والتشكيك بها وهي أشبه بالصفعة التي أفقدتها توازنها وأصبحت تتعامل مع الحملة وكأنها حرب ضدها ومستها بشكل مباشر.