ظهرت الصحوة في مطلع الثمانينات، واستمرت لآخر التسعينات الميلادية، وبعدها بدأت بالانحسار تدريجيا، وهناك من يرجع سبب ظهورها إلى حادثة جهيمان، وهناك من يرجعها إلى الثورة الخمينية في إيران كرد عليها حتى لا ينتشر التشيع، وهناك من يرجعها إلى جهاد أفغانستان من أجل خلق مزيد من المجاهدين، فهذه عدة تفسيرات لظهورها وإن كنت أميل إلى التفسير الأخير، لكن ما يعنينا هنا هو سبب انتشارها وتقبلها بعد ظهورها، أي لماذا تقبلها الناس في تلك الفترة؟ هذا في رأيي يعود إلى عدة عوامل:
الأول، طبيعة المجتمع آنذاك المهيأة لقبول مبادئ أيديولوجية أكثر من المبادئ المنطقية أو العصرية أو العقلانية، فكل مبادئ الصحوة لها أصل في الثقافة الاجتماعية أو المحلية أو البدوية، بحيث لا تعدو أن تكون مكملا لما هو متجذر، ويجب ألا نغفل هذه النقطة، فكثير ممن يتناول الصحوة يبين أن طرحها لم يكن معروفا قبلها، وأن المجتمع أكثر تسامحا، وهذا صحيح من حيث الفعل النهائي، لكنه في الأصل ليس كذلك، وبالتالي لديه القابلية لتقبل أي تشدد، بدليل أن الصحوة لو طالبت بانفتاح لواجهت صعوبة أكثر لأن المجتمع ليس مفطورا على الانفتاح بطبيعته.
الثاني، الرخاء الاقتصادي بفعل الطفرة البترولية آنذاك، فليس مصادفة أن تنتشر مع الرخاء الاقتصادي، بل إنها لا تنتشر إلا معه، ولذا لم تنتشر في المجتمعات والبلدان المجاورة والقريبة منا، فكثرة التحريم والتحوط تستقيم مع غنى الشخص، فحينما يحرمون عمل المرأة - والمرأة هي أكبر مجال عملت عليه الصحوة ـ فإنه يمكنها أن تمكث في المنزل لوجود المال عندها أو عند أقاربها، لكن مع فقرها لا يمكنها المكوث، وستضطر إلى العمل من غير الالتفات إلى قيودهم التي يضعونها على العمل، والتي لا تسمح إلا بعمل فئة ضئيلة منهن، وحينما يحرّمون قيادتها للسيارة يمكنها مع الغنى أن تأتي بسائق، لكن مع فقرها لا يمكنها ذلك، وقس على ذلك في سائر الحقوق.
الثالث، مساندة الإعلام لهم ولو بطريقة غير مباشرة، فمع وجود ظهور إعلامي مصادم للمجتمع ولما ألفه من حيث الظهور النسائي شكّل هذا للناس نوعا من الصدمة، وكانت الصحوة ورموزها يتبنون هذه القضايا بمحاربتها ويدغدغون عواطف الناس بها مما أكسبهم بعض الثقة، فلو أخذنا السؤال الإلزامي الشهير للصحوة في عمل المرأة وهو: هل ترضى لابنتك أن تعمل سكرتيرة؟ سنجد أن هذا السؤال أخذ من المسلسلات وليس من واقع يعيشونه، فلولا المسلسلات لتقدمنا خطوة، فكل هذا جعل الناس يرتمون في أحضان الصحوة وينتكسون لها، لأن الهم الأخلاقي الجنسي كان قويا، وكانت الصحوة تتبناه بكل جدارة، وأفقد هذا الإعلام الحداثة -بمعناها الفكري- شيئا من وجاهتها لتصور الناس أن ما يعرض ويشاهدونه هو الحداثة، فالإعلام قد عمل لصالحهم وإن كان غير موافق لهم.