سأتوسم طريق الصراحة والوضوح خلال كتابتي لهذا المقال، ربما يكون الطريق إلى النتيجة محفوفاً بشيء من الألغام التي لا تضر ولكنها قد "تدوش".

لقد مر حين من الدهر مضت فيه المملكة إلى حالة من الاسترخاء بعد أن دخلت نفق الرتابة التقليدية حتى اكتسبت هذه الرتابة حالة من القداسة، وصار أي تحريك أو هز لثباتها يواجه بممانعة ومقاومة من المحافظين أو من المنتفعين.

ولهذا فقد تباطأ التغيير الاجتماعي والاقتصادي المصاحب للتنمية في المملكة بما لا ينسجم مع الحركة والتغير الذي يتنامى من حولنا، وبالتالي فقد أصاب الجمود مفاصل القطاعات الحكومية بالتكلس ثم الكسل ثم الترهل والبطء في الحركة، الأمر الذي أدخل البلاد في مدار "الشيخوخة" حتى تواطأ الناس على القبول بهذا الواقع ونبذ فكرة التغيير، وتسبب وجود عدد من الأوصياء الموثوقين إلى جوار صاحب القرار في رفع نسبة التهييب والتخويف من التغيير، الأمر الذي أدى في حينها إلى إغلاق النوافذ بحجة الخوف من رياح التغريب.

لكن هذه البلاد وفي لحظة مفصلية من تاريخها قررت أن تدخل في "ريجيم" صارم وجاد تريد أن تضبط به وزنها وتتخلص فيه من زوائد الترهل والتكرش التي رانت على أجهزتها البيروقراطية ووزاراتها التي تورطت بكونها أصبحت ماعونا لتكديس البطالة المُقنعّة، ولتكريس الإجراءات الروتينية في الأداء الوظيفي والبطء الإجرائي في إنجاز المعاملات، وذلك بسبب كونها قد تحولت من أجهزة خدمية ومنجزة إلى أن صارت أوعية للضمان الوظيفي، مهما تدنت درجات الإنتاج واشتراطات الإتقان لدى الموظفين.

لكن وفي لحظة مفصلية لهذه الدولة جاء الانتقال الحتمي والحكيم على يد الملك سلمان، لتتحول الإدارة الجديدة إلى أيدي أحفاد المؤسس، وإذا كنا أو معظمنا في المملكة نعرف الأمير محمد بن نايف جيدا بحضوره اللافت والمثير للإعجاب محليا ودوليا في المجال الأمني؛ فإن المفاجأة السعيدة كانت في مجيء ولي ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، الذي لم يكن معروفا على نحو كاف لا في الداخل ولا في الخارج، لكنه جاء عاصفا ومتحمسا ووثابا ليخلع عن المملكة "جلابية" الاسترخاء والنعاس وهو يقود حملة التغيير والتحول الوطني التي تعزز من ريادة المملكة الإقليمية وتؤكد على دورها السياسي والاقتصادي من خلال مواجهة التخريب الإيراني الواضح في المنطقة، ثم إصلاح بوصلة الاقتصاد الوطني وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أوحد للدخل، وبناء علاقات تقوم على المصالح المتبادلة وتنويع تلك العلاقات وتعدد الأصدقاء والحلفاء دون الاعتماد على حليف واحد.

كل الذين كانوا على صلة بالملك سلمان عندما كان أميرا للرياض كانوا يلحظون الوجود الدائم للأمير محمد بن سلمان إلى جوار والده: يرقب ما يفعل ويتعلم من أسلوبه ويتعرف على مذاقات الناس واحتياجاتهم وأمزجتهم، كيف لا؟ وهم يأتون بالعشرات من كل فج عميق إلى مكتب أمير المنطقة من مدينة الرياض وما حولها يشكون ويطلبون ويعترضون ويحذرون ويقترحون ويقبلون ويرفضون ويغضبون ويرضون ويذهبون ولا يعودون وقد يعودون ولا يكتفون.

حشد من البشر المختلف والمؤتلف والمتعلم والأقل تعليما والأمي والثري والفقير والمسؤول والعاطل واليميني والليبرالي والتقليدي وغيرهم ومع كل هذه التشكيلة فإن محمد بن سلمان قد استطاع أن يشكل صورة بانورامية لهذا الشعب وتطلعاته، ولهذا الحكم ومتطلباته، وهكذا أصبح الأمير محمد بن سلمان الساعد الأيمن لوالده والذراع التي يمكن الاتكاء عليها، خاصة وقد صار معروفا لدى الجميع -دون مداهنة- أنه رجل عملي لا يمل ولا يكل كأنه بهذه الطاقة المتفجرة يريد أن يعوض سنوات من السكون ركنت فيها البلاد إلى حالة من الدعة والراحة حتى تباطأت حركتها.

ها هو الأمير محمد بن سلمان خلال هذه الفترة من حكم والده يحرك جمود سكوننا ويثير أسئلتنا ويرفع سقف تطلعاتنا ويعزز ثقتنا بنا وبقدراتنا، ويعيننا على أن نتغير وأن نتحول وأن نتجدد. ها هو الأمير محمد بن سلمان يفصل لبلاده ثوبا من الرشاقة ثم يلبسها هوية شبابية متطلعة نحو العالم الأول، وهو المكان الذي يستحقه هذا الوطن وأهله.