دلال المالكي


حينما اختار ملك مصر يوسف لتفسير رؤياه لم يحل بينه وبين تصديقه التأويل صغر سن يوسف أو سجنه، بقدر اهتمامه بتجربتيه السابقة والناجحة في تأويل رؤيا صاحبيه في السجن؛ وحينما أوّل يوسف عليه السلام رؤيا الملك بالمستقبل الذي ينتظر مصر في أربعة عشر عاما مستقبلية وأوجد لها حلا كان ذلك انطلاقا من وحي إلهي في الرؤيا والتأويل، إنقاذا لمصر من الجوع والفقر وليوسف عليه السلام من السجن والظلم، وذلك في خطة واضحة وبسيطة وضعها وأشرف عليها في السنوات العجاف والسمان، أيضا لم يقف فيها عامل السن عائقا أمام تقليده خزائن الدولة.

وتبدو الأربعة عشر عاما بين مصر يوسف والسعودية 2030 وترا مشتركا في التخطيط الزمني؛ إذ يعي السياسي الحكيم ضرورة الاستعداد للمستقبل وقد يكون هذا الهم الداخلي هو ما ولد تلك الرؤيا في العقل الباطن للملك؛ إلا أن ما بينهما من احتمالات نجاح أو فشل يتولد من البون الشاسع بين الرؤية والرؤيا وبين الحلم والحقيقة.

ويكمن الفرق بينهما أيضا في الفارق بين التدبير الإلهي والتخطيط البشري، فما أول به يوسف الرؤيا هي إحدى معجزاته المتحققة حتما، بينما رؤيتنا متعلقة أولا وآخر بالعمل والجهد واستثمار جميع الطاقات المؤدية للنجاح؛ ذلك أن الرؤيا تفتح نافذة ثاقبة للمستقبل وما سيحدث وكيف يمكن علاجه، يكفيها فقط أن تجد المؤول القارئ للرموز حتى تنجلي الصفحة وتكشف عما يستقبلها من الأيام، أما الرؤية فهي خطة تجربة محتملة مع المستقبل يتم وضعها وفق معطيات ملموسة من خلال استقراء التجارب الماضية وإحصاء احتياجات الحاضر في ضوء موارد المستقبل مع الوضع في الحسبان ضرورة توافر البدائل المتجددة والمتطورة السريعة، ليس على مستوى الطاقة المستثمرة فقط، ولكن على مستوى الخطط التنفيذية الفاعلة؛ ولأنها خطة افتراضية يرتبط نجاحها بدقة تنفيذها فهي محتملة وغير متأكدة النجاح، ونسبة النجاح فيها تزداد بحسب توافر المقومات والحذر في الأداء حتى تكون النتيجة على الوجه المطلوب.

ولأن الحديث هنا عن مستقبل آت بلا شك والاختلاف الوحيد هو في نسبة (نجاح التحول) ؛ فلا بد من النظر إلى (الطاقة) المستثمرة هذه الطاقة التي ينبغي أن يكون الرهان عليها هو (الشباب)، فالخطة التي وضعت تستهدف مستقبلهم بالدرجة الأولى في حين أن وجودهم ضمن هذه الخطط لا يكاد يرى بالعين المجردة؛ هم موجودون في النتائج المتوقعة فقط، في حين أنهم العماد الذي ينبغي أن تتأسس عليه الرؤية من مبتدأها إلى خبرها؛ فمنح الثقة والفرص الخلاقة التي يستحقونها، هو ما ينتظرونه حتى ننتقل من التنظير إلى التفعيل، فالطالب في المدرسة والعامل في الورشة وحتى في الشارع كلهم لبنات أساسية إن أصابها الثلم تضعضع البناء، وهؤلاء تحديدا هم الذين ينبغي أن تولد لديهم رغبة التطور، ذلك أن الذي يعتاد نمطا تقليديا ويبدأ طورا تجديدا لا يعطي أكله مباشرة تنتابه رغبة العودة لما تعوده وهنا تبدأ اللجاجة التي تحول بيننا وبين التطور؛ فلا بد من تحد يلازمه الصبر والثقة ومقاومة كل من يحاول أن يسير المركب معه ضد التيار.

لذلك فالرؤية أوسع مجالا من الرؤيا لأننا نحن من يصنعها ويضع أطرها في ضوء إمكاناتنا فلا حجة بعد ذلك في عدم تحقق نتائجها إلا التواني والكسل.