فتح مشروع قانون "مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتمويلهما"، الذي أقره البرلمان الفرنسي أول من أمس، باب الجدل على مصراعيه بين ضفتي الأطلنطي، وبينما قال وزير العدل جان جاك أورفوا، إنه يرسخ نموذجا فرنسيا لمحاربة الإرهاب، رأى البعض أنه قد يحد من أعراض الإرهاب ولا يعالج أسبابه، لا سيما في أوروبا بعدما أصبحت القارة العجوز معقلا للإرهاب، ومركزا للجماعات المتطرفة. ويشير الأستاذ بمعهد الدراسات السياسية في باريس رافاييل هداس إلى أن القانون بمثابة اختبار لقضية المواطنة في فرنسا، وقال "القضية طرحت في السادس عشر من نوفمبر الماضي، بعد ثلاثة أيام فقط من وقوع الهجمات المسلحة في باريس، عندما أعلن الرئيس فرانسوا هولاند عن اتخاذ مجموعة متنوعة من تدابير الحماية ضد التهديدات الإرهابية، بما في ذلك تمديد حالة الطوارئ التي فُرِضَت ليلة الهجمات، لمدة ثلاثة أشهر، كما أعلن هولاند اعتزامه سحب الجنسية الفرنسية من أي فرد يحمل جنسية مزدوجة، بمن في ذلك المولودين في فرنسا، في حال إدانته بمحاولة تقويض مصالح جوهرية للبلاد، أو ارتكاب عمل إرهابي. وحسب معظم استطلاعات الرأي المبكرة فإن الأغلبية الساحقة من الفرنسيين أيدت اقتراح هولاند.

ووفقا للمحلل السياسي ميشال ميرسييه فإن الفرنسيين كانوا في حاجة لأدوات تكون دائمة في القانون العام، حيث استمعت لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة في الجمعية الوطنية للمدير العام للأمن الداخلي باتريك كالفا، حول إمكانية قيام داعش بشن هجمات جديدة في فرنسا، أوائل شهر مايو 2016، وأشار إلى أن حوالي 400 مراهق فرنسي يعيشون حاليا في مناطق القتال بسورية، وأن البعض منهم يتلقون تدريبات على استعمال السلاح، مشيرا إلى أن مسار التطرف يزداد تأثيره على عدد كبير من الشباب، الذين يذهبون للقتال في سورية، مثلما يؤثر على جماعات تنتمي لليمين الفرنسي المتطرف، عادا أن المواجهة لابد منها بين الطرفين، ودعا في الوقت نفسه إلى تعزيز التشريعات المتعلقة بحمل السلاح، كما هو الحال في المملكة المتحدة.


غياب التعقل

يرى ميرسييه أن الحزب الاشتراكي على حافة الانهيار السياسي، ولا يستطيع هولاند أن يتراجع عما صرح به بعد ثلاثة أيام من تفجيرات شهر نوفمبر الماضي 2015 أمام الشعب الفرنسي. في حين تتمتع الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة وزعيمتها مارين لوبان بصعود ثابت. وتعطي استطلاعات الرأي الحزب ثلث الدعم الشعبي، وهي أعلى نسبة في البلاد، ما يرجح وصول لوبان إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. لكن يبدو أن قوة لوبان الانتخابية في فرنسا أو دونالد ترامب في الولايات المتحدة، في سعيهما للحصول على أعلى منصب في أوروبا وأميركا، مع صعود الشعبوية، لا يمكن أن تترجم كأمر واقع في السياسة العالمية، ما لم تقع سلسلة من الهجمات الإرهابية المروعة هذا الصيف، وعندئذ سيتوارى التعقل على ضفتي المحيط الأطلنطي.


مغازلة اليمين

وصف وزير العدل جان جاك أورفوا قانون الإرهاب "بأنه يرسخ نموذجا فرنسيا لمحاربة الإرهاب" وبذلك يغازل اليمين في أوروبا وأميركا وليس فرنسا وحدها، وهي معضلة سابقة زمنيا على الإرهاب وتتعلق أساسا بإشكالية الهوية التي أخذت أبعادا جديدة مع ظهور العولمة، لا سيما تفعيل الهجرات من الجنوب إلى الشمال، وتكوين جاليات أجنبية في أوروبا، إذ كانت ردود وانعكاسات اليمين الفرنسي على صعود لاعب الكرة زين الدين زيدان الجزائري الأصل، ضمن صفوف الفريق الوطني الفرنسي سلبية بدرجة مخيبة للآمال، واعتبر اليمين أن الفريق الوطني ضم في تشكيلته عددا أكبر من اللازم من الفرنسيين "غير مكتملي الفرنسية" في إشارة إلى تزايد الوجود الإسلامي في أوروبا، حيث يوجد أكثر من 15 مليون مسلم منهم خمسة ملايين في فرنسا على الأقل.





الشحن العنصري

أدى تزايد أعداد المهمشين والشباب المسلم الغاضب والثائر ضد أوروبا إلى تفجر الإرهاب من داخل حدودها وليس عبر حدودها. ويقارن الخبير الاستراتيجي والدبلوماسي شومو بن عامي، بين الولايات المتحدة وأوروبا في هذه النقطة تحديدا، بالقول إن عجز أوروبا عن تقديم سياسات فعالة تتعلق بالعدالة الاجتماعية، والتعليم، والإسكان، والتوظيف للشباب المسلم الأوروبي، فضلا عن التهميش، تسبب في الإحباط واليأس، إضافة لتزايد العداء للإسلام وصعود الحركات اليمينية في جميع أنحاء القارة العجوز. وحسب ابن عامي فإن العكس من ذلك كان في أميركا إذ لا يتعرض المتطرفون للشحن العنصري داخل حدودها، كما يشارك الجميع في الحلم الأميركي، وتتم المكافأة على المبادرة والعمل الجاد، بصرف النظر عن اللون أو الدين أو العرق، لا سيما وأن الولايات المتحدة بلد مهاجرين مع اقتصاد دينامي متجدد وقوي يمكن الجميع من تحقيق النجاح، على النقيض من أوروبا حيث تحسين المكانة صعب للغاية بالإضافة إلى ركود اقتصادي مخيف وارتفاع معدلات البطالة. ودعا ابن عامي أوروبا لمعالجة المشكلة من الداخل وأن تنشئ "الحلم الأوروبي" الخاص بجميع المواطنين، لأنه يشجع على إمكانية الوصول للفرص الحقيقية لتحسين حياتهم، محذرا أنه من دون ذلك فإن أوروبا ستواجه جيلا ضائعا من الشباب المسلم وغير المسلم سيقع حتما فريسة للإرهاب.