منذ انطلاق عمليات عاصفة الحزم والقيادة السعودية ترفع شعار التصدي، بكل حزم وحسم، للتدخلات الإيرانية في المنطقة، بغرض حماية المجال الحيوي للأمن القومي السعودي والعربي. هذا التوجه السعودي اتخذ عدة مسارات واستخدم العديد من الوسائل المختلفة لمحاصرة النفوذ الإيراني وتجفيف منابعه، وإجبار طهران على التحول من منطقة الهجوم والتمدد إلى الدفاع والانحسار إلى الداخل، الأمر الذي أربك إيران وأتباعها في المنطقة، كما قاد إلى مزيد من التنسيق والتلاحم مع المملكة على المستويين العربي والإسلامي.

ففي البعد السياسي، شهد العالم نجاح الدبلوماسية السعودية في محاصرة إيران والأحزاب والتنظيمات التابعة لها، بدءا من مرحلة قطع العلاقات مع إيران أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي معها من قبل العديد من الدول العربية بعد الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في مشهد وطهران. لم تتوقف الرياض عند هذا الحد، بل نجحت في استصدار تجريم وإدانات خليجية وعربية وإسلامية لهذا العمل المخالف لكافة الأعراف والمواثيق الدولية. أيضا نجحت الرياض في استصدار العديد من الإدانات للتدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العربي والعمل على نشر الطائفية ودعم الجماعات والميليشيات الطائفية وتصنيف حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية على المستويين الخليجي والعربي، والتنديد الإسلامي بنشاط الحزب وتدخلاته في سورية والعراق واليمن والبحرين والكويت. وبسبب استئثار هذا الحزب بالقرار الرسمي في لبنان بحيث أصبحت هذه الدولة العربية تصطف في الكثير من القرارات العربية والإسلامية إلى الجانب الإيراني لا العربي فقد اتخذت الرياض خطوة جريئة في إيقاف الدعم العسكري للجيش اللبناني والتحذير من السفر إلى لبنان، وكذلك إيقاف الرحلات الجوية إليها، هذا القرار حظي بترحيب وتفاعل من قبل العديد من العواصم الخليجية. ولعل آخر النجاحات للدبلوماسية السعودية شمول البيان الختامي لقمة منظمة التعاون الإسلامي التي استضافتها مدينة إسطنبول التركية الأسبوع الماضي 4 مواد تدين التدخلات الإيرانية في المنطقة وخامسة تدين تنظيم حزب الله اللبناني. وقد بذلت طهران جهودا مكثفة للحيلولة دون صدور هذه الإدانة من قبل ثاني أكبر تجمع دولي بعد منظمة الأمم المتحدة إلا أنها باءت بالفشل، فما كان من الرئيس الإيراني إلا الانسحاب من القمة قبل صدور البيان الختامي.

من جانب آخر، حققت المملكة وحلفاؤها نجاحات عسكرية في اليمن وعملت على إعادة تأهيله بعد أن تم اختطافه من قبل الميليشيات الحوثية وأنصار المخلوع، كما أن هناك ضغوطا وموقفا حازما بشأن القضية السورية، وضرورة رحيل نظام بشار الأسد الذي فتك بالشعب السوري وتفنن في إبادته بطرق مبتكرة وحصرية. أما في العراق فتقوم المملكة بجهود حثيثة لإنقاذ العراق من التوغل الإيراني وإعادته إلى حضنه العربي وبخاصة أن إيران تنظر إلى العراق في مراحل تاريخية سابقة كعدو أول وهي الآن تسعى للانتقام من العراق والعراقيين عبر إضعاف هذه البلاد وجعلها تابعة لطهران سياسيا واقتصاديا، كيف لا وقد أعلن ذلك صراحة علي موسوي مستشار روحاني لشؤون القوميات والأقليات الدينية بأن إيران تعمل على إعادة تشكيل الإمبراطورية الساسانية وتكون بغداد عاصمة لها. وبعد كل هذا الوضوح هل ينتظر العراق وشعبه خيرا من إيران؟

أيضا حققت المملكة نجاحات أمنية تتمثل في تفكيك خلايا التجسس الإيرانية ومحاصرة عناصر حزب الله اللبناني المتخفية تحت ستار الاستثمارات، كما حذرت كافة المواطنين السعوديين والمقيمين في المملكة من أي تعاملات مع حزب الله. في هذا الصدد قامت بعض دول الخليج بخطوات مماثلة، حيث قامت دول مثل الإمارات والكويت والبحرين بترحيل العديد من المواطنين اللبنانيين المرتبطين بالحزب.

واقتصاديا، تتبعت الرياض الأحزاب والميليشيات التابعة لإيران، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، فنجحت في استصدار تصنيف خليجي وعربي للحزب كتنظيم إرهابي وعملت على تجفيف مصادره المالية واستثماراته في المنطقة. كما اتخذت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، إجراءات للتضييق على أذرع حزب الله الاقتصادية، لا سيما أن جملة منها كانت تستفيد من الفرص الاستثمارية والتجارية في أسواق الخليج إلا أن عمليات الحزب المعادية لهذه الدول دفعتها إلى إعادة النظر في طبيعة هذه الفرص، بما يمنع تغذية الحزب وأتباعه من مواصلة مساعيهم التخريبية.

المؤشرات تؤكد أن السعودية سوف تستمر في محاصرة إيران على كافة الأصعدة وتستثمر قوتها الدبلوماسية وعلاقاتها مع دول العالم لفضح الممارسات الإيرانية في المنطقة والعالم لتضطلع الدول بدورها في مواجهة هذه التصرفات الإيرانية التي تنتهك كافة الأعراف والمواثيق الدولية وعلاقات حسن الجوار.

إن محاولات إيران الانفتاح على الدول الغربية بعد الاتفاق النووي في مقابل الاستمرار في السلوك الطائفي ودعم الإرهاب وتصديره إلى دول المنطقة والعالم سلوكان متناقضان لا يمكن القبول بهما في آن واحد، وبالتالي على طهران أن تختار بين سلوك الدولة وسلوك الثورة الطائفية على المستويين الإقليمي والدولي، أما محاولات الخداع والعزف على المظلومية ومزاعم مكافحة الإرهاب والسعي إلى الوحدة الإسلامية فمجرد شعارات للتضليل الإعلامي وقد ولى زمن الانخداع بها أو تصديقها.