قبل أيام فقط من المأساة التي وقعت في العاصمة الفرنسية، دهمت السلطات البلجيكية منزل الجزائري محمد بلقايد الذي ارتبط بهجمات باريس. ومن بين الأدوات التي كانت في حوزته، وجدت السلطات سلاح كلاشينكوف، وعلَما لتنظيم "داعش"، وكتابا عن السلفية.

وأظهرت هذه الحادثة وهذه العناصر مجتمعة بشكل صارخ النقاش الدائر في أوروبا والولايات المتحدة، حول الطبيعة الدقيقة للكيفية التي أدت بها هذه العناصر الثلاثة، وعلى نحو أدق الأسلحة المادية والرمزية والفكرية في ترسانة بلقايد، إلى دفعه وآخرين للقيام بأنشطة عنيفة.

وفي حين كان العاملان الأولان أداة رئيسة من أدوات الحرب، فإن تصنيف العامل الثالث أصعب بكثير. وهنا نصل إلى المشكلة الأساسية القائمة على تحليل الأفكار وتأثيرها، خصوصا تلك التي ربما تكون طائفية إلى حد كبير أو غير متسامحة أو حتى متطرفة وفقا للمعايير الليبرالية، ولكنها ليست عنيفة في حد ذاتها.

وبالنسبة إلى المجتمعات المحلية داخل الشرق الأوسط وخارجه على حد سواء، تؤكد نسبة كبيرة من الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط، على سرد طائفي للغاية تسعى فيه القوى الشيعية، بشار الأسد وإيران، إلى فرض هيمنتها على المنطقة.

ولا يتوقف نجاح أي جهد لطرح قوة الأفكار السلفية كإشكال، على جهودنا في تحدي مزاعمها الدينية خلال الخطابات، كما حاول القادة الغربيون أن يفعلوا في السنوات الأخيرة، بل على إبراز قوة أفكارنا الخاصة خلال السيطرة على النظام البيئي السياسي العسكري، بحيث لا يُنظر إلى مشروع تنظيم "داعش" على أنه عبارة عن مذهب سلفي سُني يقابل الواقعية، بل على أنه استغلال مدمر للشعب والتقاليد والأفكار.

وبالتالي، فإن الطريقة للقيام بذلك هي تغيير السيناريو الحالي بدلا من دحض الرسالة التي تُنشر. وبشكل أدق، يجب أن نستمر في تمكين الأصوات الإسلامية "المعتدلة". وعلينا أن نفعل ذلك، لأن هذا مشروع حيوي وفقا لمعطياته الخاصة، ولا نستطيع أن نخدع أنفسنا بالاعتقاد بأننا سنكافح جاذبية تنظيم "داعش" خلال تمكين "المعتدلين" فقط.

ولتحقيق هذا الغرض، يجب علينا إشراك العراقيين والسوريين والأكراد، من جميع الاتجاهات العقائدية على أرض الواقع، وذلك ليس لمكافحة تنظيم "داعش" فحسب، وهو ما قد يزيد من جرأة مقاتلي "داعش"، بل أيضا لإعادة بناء بلادهم.

وعبر القيام بذلك، والإظهار للعالم بأن هذه الخطوات تحقق أهدافا نبيلة، سنظهر لمجندي تنظيم "داعش" المحتملين أن السرد الطائفي للتنظيم ليس الوسيلة لاستعادة طريقة حياة سابقة وإعادتها من جديد.