يشير تاريخ النظم السياسية المتعاقبة منذ بدايات القرن المنصرم إلى تعدد مصائر الطغاة من أمثال: أدولف هتلر وبينيتو موسوليني وجوزيف ستالين وماو تسي تونج وكيم إيل سونج وانستازيو سوموزا، وهيلاسيلاسي وشاه إيران وفرديناند ماركوس وجوليوس نيريري وخوان بيرون وبيدل بوكاسا ونيقولا تشاوسيسكو، ومنجستو هيلامريام، وبينوشيت وصدام حسين ومعمر القذافي. ما بين القتل والسجن والنفي والانتحار والموت الطبيعي.
ومنذ سنوات رسم مفكرون وباحثون عرب وأجانب سيناريوهات وردية لـ"اليوم التالي" لسقوط الطغاة. وكانت بوصلتهم المستخدمة في كتابة وصفات الشفاء العاجل من المرض الاستبداد المزمن، هي الديموقراطية على درجاتها من الديموقراطية المباشرة أو الشكلية إلى الديموقراطية التوافقية إلى ديموقراطية الطوائف وغيرها من أنواع الديموقراطيات التي تتطلب في بعض الأحيان لنجاحها مرحلة انتقال سياسي قد تطول أو تقصر وفقاً لعوامل ذاتية وموضوعية، حيث لا ديمقراطية في غياب الديموقراطيين.
وعندما حل "اليوم التالي" لم يظهر "غودو" الديموقراطي بل ظهر أدعياء الخلافة وأساطين المال وجنرالات السلاح الميليشياوي والإرهاب. وبدت صورة وملامح الشرق الأوسط الجديد ضبابية.
وقد حاولت مؤسسات الأبحاث والتفكير الأميركية تبديد ضبابية المشهد من خلال تصورات براجماتية لـ"اليوم التالي". وفي هذا السياق، بحثت أنديرا كندال- تيلور؛ وإيريكا فرانتز في مجلة "فورين بوليسي" في السؤال التالي: "عندما يموت الحكام الطغاة.. هل تسود الديموقراطية"؟ وذلك على خلفية وجود 55 حاكما حول العالم يحكمون بلادهم بطريقة فاشية مستبدة.
وأشارتا إلى أنه بعد مراجعتهما لحالات 79 دكتاتوراً ماتوا وهم في المنصب في الأعوام ما بين 1946 و2014، وجدتا أن "موت دكتاتور لم يكن بشيراً بالديموقراطية أبداً. كما أن وفاته لا تفضي مطلقاً إلى سقوط النظام الدكتاتوري. وبدلاً من ذلك، وفي الغالبية العظمى (92%) من الحالات، يستمر النظام بعد وفاة الدكتاتور. وتشكل وفاة هوجو شافيز في فنزويلا في 2013، وميليس زيناوي في إثيوبيا في 2012، وكيم جونغ إيل في كوريا الشمالية في 2011 أدلة على هذا الاتجاه".
ووجدتا أيضاً أن "الانقلابات والثورات الجماهيرية نادراً ما تحدث بعد وفاة دكتاتور. فخلال السنة التي تعقب وفاة الزعيم، حدثت انقلابات في 6% فقط من الحالات، مقارنة مع 32%، حيث وقعت انقلابات في المناسبات التي غادر فيها الحكام المستبدون السلطة بوسائل أخرى. وبالمثل، يكون اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية أقل ترجيحاً بكثير في أعقاب وفاة الدكتاتور مما يحدث بعد الأشكال الأخرى من مغادرة القائد المستبد السلطة".
واكتشفتا أن وجود أحزاب حاكمة عزز متانة الأنظمة الاستبدادية، وسهل عملية الخلافة. لجهة الوظائف المنوطة بالحزب الحاكم، مثل: موازنة القوات المسلحة ذات النزعات التدخلية، وتوزيع المنافع على المواطنين، وتعزيز وترويج أيديولوجية النظام. وعلاوة على ذلك، تستطيع هذه الأحزاب السياسية التي تعمل بشكل جيد أن تحتوي وتستميل الأفراد من ذوي التطلعات والطموحات السياسية، أو أولئك الذين يسعون للوصول إلى غنائم السلطة.
وقدمت الباحثتان بشرى غير سارة تمثلت في إشارتهما وتبنيهما لنتيجة خلص إليها معدو تقرير "الحرية في العالم" لعام 2015، الذي صدر عن مؤسسة فريدوم هاوس، تفيد بأن "خطر حدوث تدهور ديموقراطي واسع النطاق أصبح الآن أعلى من أي وقت مضى في السنوات الـ25 الماضية".
برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن كان قد أصدر تقريراً حول شعبية الاستبداد أو الطغاة في الشرق الأوسط. ذكر أنه توقع كثيرون أن موجة "الربيع العربي" ستنتج ديموقراطيات، ولكن في كثير من الحالات كانت النتيجة على المدى المتوسط عودة إلى الوضع السابق.
ويبدو أن الباحثتان أنديرا كندال- تيلور؛ وإيريكا فرانتز تجاهلتا قصداً أو سهواً عوامل مهمة في تكوين النظم التسلطية الاستبدادية، المتمثلة في النخب العسكرية والأمنية التي لعبت أدواراً مهمة في صناعة تلك النظم وشخصنتها، فضلاً عن عدد من الحاضنات أو الدفيئات منها: الدفيئة الثقافية-الإعلامية التي تنتج طغاة محبوبين.
وفي نهاية المطاف، تقدم مراكز التفكير الأميركية، ناهيك عن "اللوبيات" إلى الإدارة الأميركية ترسانة من المبررات للإفراط في تنفيذ سياسة براجماتية تبيح التعاون مع الطغاة خدمة للمصالح الحيوية الأميركية، ولكن شريطة أن يكونوا "طغاة أذكياء" حسب ما جاء في كتاب "عقيدة أوباما: إستراتيجية أميركا الكبرى اليوم"، التي شرحها كولن دوك، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج مايسن الأميركية.