فُتِنَ الشَّعبِيُّ لَمّا رَفَعَ الطَّرفَ إِلَيها
فَتَنَتهُ بِدَلالٍ وَبخَطَّي حاجِبَيها
فَقَضى جَوراً عَلى الخَصم وَلَم يَقضِ عليها!
الشعر قديما وقف ضد القاضي الشعبي عندما أنشد رجل تقاضى مع امرأته عنده الأبيات السابقة ليمنعه من أن يقضي لها؛ وكأن فتنة المرأة سلاح ضدها يلوح به بعض الرجال ليحرموها من حقها المشروع.
ردت مذيعة عربية على رجل استفزه هجومها على الرجال المعددين قائلة بخفة دم (الرجل أخي وابني وأبي ...) إسقاط جميل لعبارة تتكرر حين الحديث عن حق من حقوق المرأة العربية المهضومة.
ومهضومة ليست صفة باللهجة اللبنانية للمرأة، ولكنها بالتأكيد صفة للحقوق!
كل قضية للمرأة لابد أن تثير جدلا رجاليا مع أو ضد إلا التعدد بصيغة القرن الحادي والعشرين!
التعدد الذي حول كل امرأة غير متزوجة إلى هدف سهل التحقيق سريع الزوال!
لا أتكلم من فراغ، ولكن ما بدأ مع بداية عقود مرحلة الصحوة من تركيز على قمع النساء وتحذير من خروجهن حتى لطلب العلم رافقته مطالبة للرجال بالتعدد الذي نتج عنه اليوم ما نراه من أسر تفككت ورجال أدمنوا الطلاق قدر ما أدمنوا الزواج، وضحايا من أبناء يفتقدون جو الأسرة الحقيقي.
لا أتكلم عن التعدد المشروع، بل التعدد الذي لا يقيم للمرأة وزنا ولا قيمة، بل ويصاحبه الظلم للنساء والتخلي عن أبسط مسؤوليات الأبناء، وينتهي نهاية خطط لها الرجل الذي بيت نية الطلاق، وقد لا تزيد مدة الزواج عن أيام أو بضعة أسابيع لينتقل إلى ضحية أخرى وشرخ أسري آخر.
المعارضون حين يحرمون المرأة من قيادة السيارة يعللون ذلك بالخوف عليها؛ وحين يحرمون إصدار قانون للتحرش يجعلون علة التحرش نابعة منها، أي أن بيدها دفع الضرر، وهذا يناقض فكرة الخوف المشار إليها آنفا مع أن جميع النساء يرتدين الحجاب!
وحين بدأ تعليم المرأة اعتبره بعض الجهلة – ولهم عذرهم في حينه - شرا ووبالا، وحين بدأت المرأة تعمل في المحلات والأسواق لاحقها المحتجون والمشككون - ولا عذر - وهم يتقبلون رؤية المتسولات أو بائعات يفترشن أرصفة الأسواق الشعبية! حتى الرافضون لتنظيم عمل الهيئة أشارت أصابع الاتهام إلى الخوف من سلوك البعض!
سلسلة مفارقات ترفض تحديد حد أدنى لسن المتزوجات وتبتهج بالتفريق بين زوجين بسبب دعوى نسب!
يروي أحد المعلمين أن المرشد الطلابي في مدرسته يقوم بدور الخاطبة في المدرسة لأنه مطلع على أحوال الطلاب، ويعرف من يعيش منهم مع أم مطلقة، ويحث الأساتذة على استغلال الفرصة! لا أكثر الله من أمثاله. الموضوع في ظني لم يبق الكثير عليه حتى يسأل الخاطب: أي أنواع الزواج تفضل؟!
أو حتى يصبح تجارة مشروعة ومقبولة تضرب بقيم ومشروعية الزواج عرض الحائط، ولا نستبعد أن يكون هناك سحب في قناة ما على عروس في زمن أصبحت القيم عند بعض الناس قابلة للسحب والطرق وإعادة التدوير!
النظرة الإيجابية للأسرة متوفرة وموجودة عند الرجال الحقيقيين الذين يدركون أن ثروتهم الحقيقية ما اجتمع تحت سقف بيوتهم من مودة وحنان لا ما تناثر تحت سقوف غيرهم.
المدنية الحديثة وحدت أجهزة الجوال والتطبيقات ومواقع التواصل والحواسب، وفرقت ما كان مجتمعا من روح الأسرة التي يأخذ الكبير بيد الصغير، ويوجهه ويعطف القادر على العاجز.
لو سأل سائل ما المطلوب؟ أجبت: نريد اليوم أن نركز على المحافظة على الأسرة، ونبدأ هذا بتهيئة الأبناء والبنات ليكونوا أزواجا صالحين؛ وليقدروا قيمة الأسرة وأهمية تماسك بنيانها واستمراره، فليس الزواج رحلة قطار تنتهي في محطة بلا عودة.
قضية أخرى أراها مهمة، وهي أن يتم الالتفات إلى مساعدة الأسر خاصة شديدة الفقر أو التي ابتليت بعنف أسري أو حتى الأزواج في مستهل حياتهم إلى كيفية التعامل مع المشاكل وتجاوز العقبات وتقنين الإنجاب حتى لا يتعرض الأبناء للعوز والحاجة والإهمال؛ فليست الأسرة المهملة إلا فريسة سهلة للمشاكل الاجتماعية صعبة أو عصية الحل. كما يجب أن يتحمل الأب النفقة على أبنائه، ولنا في نظام الكويت الذي يقتطع من دخل الأب ويعطي الأم الحاضنة دون أن تضطر للتردد على المحاكم أشهرا بلا طائل.
أخيرا فتنة المرأة والخوف عليها أعمق بكثير من ملاحقتها لو قادت سيارتها أو لو سارت حتى على قدميها.. خاصة أن هناك من يرفض أن يسمح لها أن تعبر الطريق لتصل إلى وجهتها دون أن تزعجها أبواق لا ترحم ضعفها ولا تحترم إنسانيتها.