ما إن فتحت وزارة العمل المجال لتوظيف المرأة في قطاع التجزئة وهو ما يعرف بالكاشيرات حتى انبرى له مجموعة لمنعه لأنهم لم يعرفوه في الحقب الزمنية الماضية، مما جعلنا نتساءل كيف سيتم توظيف ملايين النساء ومتى نصل إلى هذه المرحلة إذا كانت هناك معارضة في كل مشروع ولو كان صغيرا. فقد بات اشتراك ملايين النساء في سوق العمل من البدهيات في الدول المتقدمة بل وربما غير المتقدمة نظرا للفوائد الاقتصادية التي يجنينها من جراء العمل، ولكن الوضع لدينا مختلف فما زالت نسبة ضئيلة منهن في سوق العمل، وربما لو بحثنا في الأسباب التي أعاقت إشراك المرأة بشكل كبير لظهر أن على رأسها ما يعرف بخصوصية المجتمع أو وجود التيار الديني الممانع وهذا صحيح ولكن ليس بشكل كلي، لأن هذا السبب له سبب لا يقوم إلا به وهو الذي مهد لرواج الخصوصية واستمرارية معارضة المناوئين ألا وهو الجهل بتلك الفوائد الاقتصادية وغياب الفكر الاقتصادي لدى الكثيرين.

إن إبراز هذه الفوائد والتركيز عليها أفضل بكثير من التركيز على العوائق فالوقوف على كنه الشيء سابق على معرفة عوائقه، بل إن التركيز على العوائق كما يفعل كثير من المطالبين يعد معرقلا إضافيا في حد ذاته، ولذا لا يبرز في خطابنا المحلي إلا البعد الثقافي في الواجهة أكثر من البعد الاقتصادي نفسه ومن يطالب به هو المثقف أكثر من الاقتصادي، فبدلا من أن يصبح موضوعا اقتصاديا بعوائق ثقافية أو اجتماعية أو دينية أصبح موضوعا ثقافيا أو اجتماعيا أو دينيا بتبعات اقتصادية، والفرق بين الأمرين كبير بل أحيانا بفوائد معيشية أو أسرية ولا يذكر حتى الاقتصاد، وطالما أنه يظهر بعيدا عن فحواه الحقيقية فمن الطبيعي جدا بل والبدهي أن يكون بهذا البطء الشديد الذي يسير به، فمما يعجل به هو معرفة كيف استفاد الآخرون استفادات اقتصادية هائلة حينما عملت ملايين النساء، وماذا سيخسرون من خسارات فادحة في حال إن ولدت خصوصية لديهم تشل تلك الملايين، إضافة لفائدة إحلال ملايين العمالة الوطنية بدل ملايين العمالة الوافدة والتي لا يمكن للرجل أن يغطيها، إضافة لتبيان حجم الأموال التي تخرج وخطورة ذلك، إضافة للتخلص من البطالة والتي تعد إحصائياتها من أهم الإحصائيات التي تظهر تمكن أي دولة وتقدمها في المجال الاقتصادي والتنموي والتي لا تهتم بجنس العاطل وهل هو رجل أو امرأة، لأن تعطل أي منهما تعطل للعجلة الاقتصادية لأنه يتحول إلى مستهلك بلا إنتاج وهناك فوائد أخرى ربما يعيها الاقتصاديون بشكل أكبر.

إن ما سبق ذكره من فوائد اقتصادية إنما يعيشها الأغلب كمعلومة ولكنهم لا يعيشونها كهم وكإلحاح ولذا نجد أن الشروط والمجالات الاجتماعية والدينية التي توضع لعمل المرأة لا تنبئ بأننا نحمل هما اقتصاديا ولا تصلح اقتصاديا وإنما تصلح مع الرؤية المعيشية البسيطة. وبالتالي فالطريقة أو الآلية المثلى لتجديد تلك المفاهيم الخاطئة وإحياء الفوائد الاقتصادية تكمن في حجم إشراك المرأة والذي لا بد أن يكون كبيرا في ذات الخطوة الواحدة، إضافة للدور الإعلامي المصاحب والداعم لذلك الإشراك والذي يبرز المنافع الاقتصادية، فالأول يساهم في تسريع الخطى والثاني يزيل العراقيل ويجلي المفاهيم ويمهد الطريق، فالمشاريع التدريجية التجريبية الضعيفة الحاصلة الآن لا يمكن أن تسرع الخطى بل إنها قابلة للرفض والوأد من قبل الممانعين وهذا الرفض يعد انتكاسة، فعدم طرح المشروع أفضل من أن يطرح ثم يلغى أو يوقف كما حصل مع بيع المستلزمات النسائية، وأما الدعم الإعلامي وتحديدا على مستوى الفضائيات وخاصة الرسمية منها فمهمته مواجهة الممانعة التي تحصل من الرافضين فما يحدث الآن من الإعلام مع هذه المشاريع هو تغطية أو تناول ولكنها ليست دعما، وفرق كبير بين الأمرين، فلا ينبغي أن يترك الشخص للنمو الفكري الطبيعي تحت عبارة ننتظر إلى أن يتطور المجتمع وأن القناعات الجديدة ستأتي مع الزمن ومع التطور الطبيعي، فهذا يؤخر ويبطئ من التقدم ومن توظيف ملايين النساء وهو أمر قادم ولا بد منه فالوضع الحديث لن ينتظرنا إلى أن نتطور، فالأوضاع التي نعيشها والأضرار التي قد تلحق بنا في حال التأخر أسرع من وصول المرأة للمكان المراد وفق هذا السير البطيء الموجود الآن، وفي حال أن وجدت تلك المشاريع وذلك الإعلام الداعم فإنه سيتضح حينها الفقر الفكري والمعرفي لدعوات الخصوصية والمحافظة والاختلاط العارض وغير العارض والفتنة والتغريب والمملكة الصغيرة للمرأة وستتلاشى أمامها وبشكل كلي، لكن حينما يقصر الأمر على المردود المعيشي البسيط فهذا ما يعني استمرار هذه الدعوات، بل وستتغير قناعاتنا المشوهة للقيم التي تم توظيفها في محاربة عمل المرأة كالعفة والنقاء والطهارة والشرف والغيرة، وسيتضح أن تطبيقاتنا لتلك القيم هزيلة وأنها أعلى مما كنا نتصوره عنها.