كنت أتمنى أن أكتب إلى أخي وزميلي المستشار ماجد بن حمود الشراري تهنئة بالترفيع إلى منصب أو تعيينه سفيراً في إحدى الدول، فإذا بي وبطرفة عين، أبحث عنه فلا أجده، وأناديه فلا يسمعني، وبدل التهنئة أكتب رثاء بدمع المحبة وهول الفاجعة لمن كان بالأمس القريب بيننا، صاحب الابتسامة الهادئة والحضور المحبّب. وغاب بصمت ولم يُرِد في رحيله، كما في حياته، أن يكلّف على أحد خدمة أو مشقة، لأنه، رحمه الله، من هذا الصنف من الناس الذين يعطون من ذواتهم دون حساب، ويخدمون ولا ينتظرون أن يُخدموا.

لقد تسنّى لي التعرّف على الأستاذ ماجد، رحمه الله، منذ حوالي سنة عندما تم نقل خدماته من الأردن إلى لبنان وتعيينه نائبا لرئيس البعثة. وبطبيعة الحال كان مكتبه إلى جانب مكتبي وكنّا نلتقي بشكل دائم عدّة مرّات خلال النهار لتسيير العمل. وسرعان ما لمست فيه خبرة دبلوماسية كبيرة اكتسبها خلال سنوات عمله في دوائر وزارة الخارجية والهند والقاهرة والأردن، ومن خلال تكليفه ببعض المهمات في دول أخرى، مقرونة بأخلاق عالية ورصانة وأدب وهدوء وانضباط استثنائي، وسرعان ما انخرط في جو العمل وكسب محبة وتقدير كافة الزملاء بتواضعه ودماثته وتعامله الأخوي معهم وابتسامته التي لا تفارق محيّاه.

خلال فترة قصيرة ألمَّ بالملفات الأساسية وأصبح يرافقني في الزيارات الرسمية التي أقوم بها للمسؤولين اللبنانيين، فقدم مثالاً للدبلوماسي السعودي الناجح وأحبه كل من تعرف إليه من المسؤولين السياسيين ورجال الإعلام. وكانت قوته في هدوئه، فاكتسب احترام الجميع داخل السفارة وخارجها من تعامله المحترم مع كل الذين التقاهم. ولعلّ أهم ميزاته هي معرفته العميقة وعدم مفاخرته بما يعرف وبما لديه من خبرة، فكان أسلوبه، رحمه الله، العمل المنتج بدون ضوضاء أو جلبة، وحكمته في الحياة، التواضع ثم التواضع ثم التواضع.

المستشار ماجد الشراري كان يسير بخطى ثابتة باتجاه مستقبل واعد في مسيرة بناها يوما بعد يوم مخلصا لدينه ومليكه ووطنه، ملتزما بكل مهمة أوكلت إليه، ولم تكن حياته المهنية سوى انعكاس للمبادئ التي نشأ عليها في كنف أسرة كريمة وبيئة طيبة، وهي مبادئ الأصالة والشهامة والفروسية، وحسبه كما كان فرعاً من أصل كريم أنه ترك أسرة زرع في نفوس أفرادها المبادئ والقيم ذاتها لتكمل الرسالة وتحفظ الأمانة.

أخي ماجد.. يعز عليّ أن أرثيك وأنك رحلت باكراً ولن يتسنى لي بعد اليوم إكمال رحلة زمالتنا وأخوتنا. سوف أفتقد حضورك كل صباح إلى مكتبي ومناقشاتنا وآرائك السديدة، وسوف يفتقدك زملاؤك في السفارة وأصدقاؤك في لبنان بنفس القدر الذي ستفتقدك أسرتك وأهلك وكل من عرفك. أمثالك يتركون فراغاً مؤلماً عندما يرحلون، لكن لا راد لقضاء الله عز وجل ولا معقّب لحكمه.

باسمي وباسم زملائي في سفارة خادم الحرمين الشريفين في لبنان وكافة الملحقيات والمكاتب التابعة لها، أقدم التعازي القلبية الخالصة إلى قيادتنا الرشيدة وإلى وزير الخارجية وإلى أسرة المستشار ماجد بن حمود الشراري، يرحمه الله ، وأهله وللدبلوماسية السعودية. تغمد الله الفقيد الغالي بواسع رحمته وألهم أسرته وأهله الصبر والسلوان.